فصل: فصل: في المقدمات

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الذخيرة في فروع المالكية ***


بسم الله الرحمن الرحيم

صلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما‏.‏

كتاب البيوع

القسم الأول‏:‏ اتحاد العين والصفة

وفيه اثنتا عشرة صورة؛ لأن الثمن الثاني إما مساو للأول، أو أقل، أو أكثر والبيع الثاني إما منقد، أو إلى أجل والأجل مساو للأول، أو أقل، أو أكثر‏.‏ فتداخل ثلاث صور لتساوي الأحكام؛ لأن أقرب من الأجل كالنقد‏.‏

ويمتنع من هذا القسم صورتان‏:‏ أن يشتري نقدا بأقل من الثمن، أو إلى أبعد من الأجل بأكثر من الثمن حذرا من سلف جر نفعا، إلا أن يشترط المقاصة فتجوز التسع صور هذا المشهور‏.‏ وقال ابن محرز‏:‏ القياس المنع بالثمن أو أقل منه، أو إلى أبعد من الأجل وقد فاتت عند مشتريها؛ لأن مثل الثمن إلى أبعد من الأجل سلف من المشتري مائة مائة وزاد الانتفاع بالسلعة، وبأقل من الثمن إلى أبعد من الأجل، فما يرجع للمشتري سلف، وللزائد أجرة الإجارة، فمهما انتفع بالسلعة صار بيعا وسلفا‏.‏ وكذلك بأقل من الثمن إلى أقرب من الأجل تكون إجارة وسلفا‏.‏ قال ابن القاسم‏:‏ ولم أر منعه لأحد وإنما تتغير صورة الحال عند العقد الثاني، غير أن أبا الفرج منع بالثمن أو أكثر منحه إلى أبعد من الأجل‏.‏ قال ابن القاسم‏:‏ ولا أعلم له وجهاً إلا الانتفاع بالبيع‏.‏

تمهيد‏:‏ قال بعض الفقهاء المغاربة‏:‏ ضابط هذا إذا اتفق الأجلان فلا نظر إلى الثمنين، أو الثمنان فلا نظر إلى الأجل، واختلفا معا، فإن زاد معا أو نقصا معا امتنع، وإن نقص أحدهما وزاد الآخر جاز‏.‏

القسم الثاني‏:‏ اختلاف نوع الثمنين كذهب وفضة

والبيع بأكثر منعه أشهب للتأخير والصرف، وجوزه في الكتاب إن كثر المعجل جدا حتى يبعد من التهمة، واستقرأ اللخمي الجوار وإن كان مثل الصرف؛ لأنه يحقق الصبر ولم يعد إلى يده أكثر مما خرج‏.‏

القسم الثالث‏:‏ استواء نوع الثمن وقدره مع اختلاف الصفة، فإن تعجل الأفضل جاز على المشهور لبعد التهمة، ويمتنع العكس لتعجيل الأدنى ليأخذ الأعلى‏.‏ ولو تساوي الأجلان امتنع امتناع المفاضلة، فهو بدل ذهب بخلافة إلى أجل، وأقل إذا كان أجل الثاني أبعد‏.‏

القسم الرابع‏:‏ الثمنان طعام، ففي الجواهر‏:‏ إذا اتحد النوع فالصور التسع ويمتنع منها اثنان نقدا بأقل من الثمن‏.‏ أو إلى أبعد من الأجل بأكثر من الثمن‏.‏

واختلف في اثنتين بأكثر من الثمن نقدا أو بأقل إلى أبعد من الأجل نظرا إلى الضمان يجعل ما يقصد أم لا، وإن اختلف نوع الطعام فكاختلاف نوع العين‏.‏

القسم الخامس‏:‏ الثمنان عرضان اتحد جنسه، فالصور التسع يمتنع اثنان اتفاقا، ويجوز خمس اتفاقا، ويختلف في اثنتين كما تقدم؛ لأن العرض كالطعام في الضمان، وإن اختلف الجنس جاز اتفاقا لعدم الربا في العروض‏.‏

فرع‏:‏

قال‏:‏ إذا كان المبيع مثليا واسترده، أو مثله جاز بشرط مراعاة الثمن على ما تقدم، وإن استرد خلافه فهو بيع حادث أو من صفته، واختلفا في الصفة أو من غير صنفه كالشعير والسلت مع القمح أو المحمولة مع السمم أجازه القرويون مطلقا للاختلاف بينهما، وإن اتفقا في الصفة دون المقدار‏.‏ فإذا تصورت منه الصور التسع‏.‏ كانت الزيادة والنقصان في المردود كإياهما في الثمن فيمتنع ما تقدم، قال في الكتاب‏:‏ طعام بثمن إلى أجل، ثم أخذ عند الأجل أقل من المكيلة بجميع الثمن لا يعجبني، وأجازه ابن القاسم، قال عبد الحق‏:‏ إنما يعتبر وجهان بأقل من الثمن نقدا كان البيع مثل ما باع أو أقل أو أكثر، أو اشترى أكثر من كيل الطعام أو أقل أو أكثر، ويجوز ما عدا ذلك، قال أبو الطاهر‏:‏ إنما تكلم على الشراء نقدا وأما إلى أبعد يراعى كثرة الثمن أو كثرة الطعام فيمتنع؛ لأن أقل من الثمن نقدا كالأكثر إلى أبعد من الأجل‏.‏

فرع‏:‏

قال‏:‏ إذا استرد في البيع الثاني من العرض المبيع أجازه ابن القاسم كاخا لف؛ لأن الغالب اختلاف الأغراض في العروض، ورآه محمد كالعين، فإن استردها بعينها بعد التغير هل تعد كسلعة أخرى فيجوز، أو كالعين فيخرج على ما تقدم‏؟‏

فرع‏:‏

قال‏:‏ عبدان بمائة إلى سنة اشترى أحدهما بدينار‏.‏ امتنع؛ لأنه باع دينارا وعبدا بمائة إلى سنة، وكذلك لو اشتراه بأقل من المائة نقدا‏.‏ ولو اشترط للمقاصة جاز‏.‏

فرع‏:‏

قال‏:‏ حيث وقع الممنوع إن أدركت السلعة بيد المشتري الثاني فسخ البيع الثاني اتفاقا، وخاصة عند ابن القاسم؛ لأنه أجر وجب للفساد والعقد عند عبد الملك فاتت السلعة أم لا؛ لأن التوسل للفساد إنما حصل بالعقدين، إلا

أن يصح أنهما لم يتعاملا على العينة، وإنما وجداها تباع فاشتراها فيفسخ الثاني فقط، فإن فاتت السلعة فسخ العقدان على المشهور‏.‏

وقال ابن مسلمة‏:‏ إن فات الآخر مضى بالثمن مراعاة للخلاف، وقال ابن أبي زمنين‏:‏ إن تضمن فسخ الثاني دفع قليل في كثير فسخا معا، وإلا فلا، قال أبو الوليد‏:‏ لو هلكت بيد المبتاع الثاني خاصة ولبت الأول، ولم أر فيه نصا فإن فاتت بيد الثاني وقبض الثمنان‏:‏ فعلى قول محمد يرد البائع الأول الزيادة وإن لم يقبضا شاركا، فإن قبض الأول قال محمد‏:‏ يرد المبتاع الأول على البائع ما قبض منه، قال أبو الوليد‏:‏ ولم يذكر معجلا ولا مؤجلا، قال‏:‏ وعندي ينبغي أن يكون معجلا وإلى أقرب من الأجل في الثمن الآخر، قال صاحب المقدمات الصحيح‏:‏ فسخ العقدين لقول عائشة رضي الله عنها‏:‏ بئس ما شريت وبئس ما اشتريت، وجوابه‏:‏ أنه يروي بئس ما شريت، أو بئس ما اشتريت وصبغت، أو لأحدهما دون مجموعهما‏.‏

فرع‏:‏

في المقدمات‏:‏ الفوات عند سحنون بحوالة الأسواق، وبالعيوب المفسدة عند التونسي وغيره من المتأخرين، وفي الفسخ ثلاثة أقوال البيعتان عند التونسي‏:‏ لا يفسخ الأول، ويصح الثاني بالقيمة إن كانت أكثر من الثمن وإلا قضي بالقيمة، وإذا حل الأجل أخذ الثمن لعدم التهمة، وإن كانت القيمة أقل قضي بها وليس له عند الأجل لئلا يدفع دنانير في أكثر منها، والثالث‏:‏ إن كانت أقل

فسخ البيعتان، أو أكثر فسخت الثانية وقضي بالقيمة، ويأخذ الثمن عند الأجل‏.‏ قاله عبد الحق تأويلا على ابن القاسم، وقاله سحنون أيضا‏.‏

فرع‏:‏

قال صاحب المقدمات‏:‏ إذا اشتراها للأجل فالحكم يوجب المقاصة عند الأجل، وما لم يتقاصا فالثمن لكل واحد منهما في ذمة صاحبه، ولا يكون أحدهما أحق بما عليه من غرماء صاحبه إن فلس عند الأجل، خلافا لأشهب فعلى رأي ابن القاسم‏:‏ إن فلس المشتري الأول تحاص غرماؤه مع المشتري الثاني بما عليه، وإن فلس الثاني كان الأول أحق بالسلعة إلا أن يدفع الغرماء الثمن‏.‏

فرع‏:‏

في الكتاب‏:‏ باع ثوباً بمائة درهم إلى شهر فلا يبعه بخمسين نقداً، ويجوز بثوب، أو بطعام نقداً؛ لأن البيع الأول لغو لرجوع الثوب، ويصير بيع الثوب الثاني أو الطعام بالدراهم، ولا يجوز إلى أجل دونه، أو أقرب منه، أو أبعد؛ لأنه دين في دين، ولو بعت بعشرة محمدية إلى شهر فلا تبع بعشرة يزيدية إلى أجل ابتاعه بمحمدية نقدا جاز؛ لأنها أجود كما لو باع بأكثر من الثمن نقداً والعكس ممتنع‏.‏

فرع‏:‏

في الكتاب‏:‏ عبدان بعشرة إلى أجل لا يبتاع أحدهما بأقل نقدا يمتنع؛ لأنه بيع وسلف، ويجوز قصاصا وبعشرة نقدا؛ لأنه بيع وسلف، وفضة وسلعة بفضة، وثوب بعشرة محمدية إلى شهر يمتنع بخمسة يزيدية إلى شهر وثوب نقدا؛ لأن الثوب لغو ويصير الثاني بخمسة على أن يبدل لك عند الأجل خمسة بخمسة من سكة أخرى، ويمتنع ابتياعه بثوب أو ثوبين من صنفه إلى أبعد من الأجل، أو أقرب؛ لأنه دين بدين، والثوب لغو، وثوب بدراهم إلى شهر، يمتنع

بدينار نقدا؛ لأنه صرف مستأخر، ويجوز بعشرة من دينار نقدا لنفي التهمة، ولا يعجبني بذهب يساوي في الصرف ذلك، ويمتنع بثوب ودينار نقدا؛ لأنه عرض وذهب بفضة مؤخرة، ولا تعجبني بعرض وفلوس؛ لأنه فلوس بدراهم إلى أجل‏.‏

فرع‏:‏

في الكتاب أردب طعام بدينار إلى أجل، ممتنع شراؤك من صنفه أرد بين بدينار نقداً؛ لأنه رد إليك طعامك وزادك أردبا على أن تسلفه دينارا، ويمتنع من الصنف مثل الكيل أو أقل بأقل من الثمن نقدا؛ لأنه في مثل الكيل سلف بنفع، وفي الأقل بيع وسلف، وبمثل الكيل بمثل الثمن فأكثر نقدا يجوز؛ لانتفاء التهمة، وكذلك كل موزون ومكيل في هذا، قال ابن يونس‏:‏ معنى الصنف هاهنا‏:‏ محمولة من محمولة إما سمراء، أو شعيرا من محمولة فلا تهمة، وفي التنبيهات‏:‏ وقيل أراد جنسه، وفي الكتاب‏:‏ لو كان مكان الطعام ثوبا جاز صنفه قبل الأجل بأقل من الثمن أو أكثر نقدا وإلى أجل؛ لأن مستهلك الثوب عليه القيمة بخلاف المثليات‏.‏

فرع‏:‏

في الكتاب‏:‏ عبدان، أو ثوبان بثمن إلى أجل تجوز الإقالة من أحدهما، وإن غاب عليهما‏.‏ ما لم يتعجل ثمن الآخر، أو يؤخره أبعد من الأجل؛ لأنه سلف لأجل الإقالة، ولو كان طعاما امتنعت الإقالة من بعضه إذا غاب عليه حل الأجل أم لا لاحتمال تبديله فيصير طعاما بطعام وفضة، وإن لم يغب، أو شهدت على غيبته بينة جاز ما لم ينقدك الآن ثمن باقية، أو يعجله لك قبل محله؛ لأنه عجل ذهبا على أن يبيعه، ولأنه طعام وذهب نقدا بذهب مؤجل‏.‏

فرع‏:‏

في الكتاب‏:‏ فرس أسلم في عشرة أثواب إلى أجل، فأعطاك خمسة قبل

الأجل مع الفرس أو مع سلعة سواه على أن تبرئه من بقية الثياب لم يجز؛ لأنه بيع وسلف وضع وتعجل؛ لأن المعجل سلف، والفرس أو السلعة بيع للخمسة الثانية، ولو كانت قيمة السلعة المعجلة أضعاف قيمة الثياب المؤخرة لم يجز الامتناع سلم ثوب وسلعة اكثر ثمنا في ثوبين من صنفه‏.‏

قال ربيعة‏:‏ ما لا يجوز سلم بعضه في بعض لا يؤخر قصا منه يلزم‏:‏ ضع وتعجل، إذا كانت قيمة قرس أو السلعة أقل، قال‏:‏ وهو ضعيف يلزم عليه المنع إذا لم يقاربه سلف كدفع السلعة أو الفرس، وهما أقل قيمة من العشرة الأثواب، ولا يختلف المذهب في جوازه، وإنما يكون ضع وتعجل إذا حط من صنف ما عليه ويعجل باقية، وإذا قلنا بالمنع ونزل فلا يفسخ إلا العقد الثاني في مسألة الفرس قولا واحدا، بخلاف إذا اشترى قبل الأجل بأقل من الثمن فخلاف، لدخول التهمة في العقدين بخلاف الفرس، فإن مات الفرس فالقيمة يوم القبض بقبضة في بيع فاسد، وفي العبدين بثمن إلى أجل، ويشتري أحدهما بشرط تعجيل ثمن الآخر، وإذا نزل وفات العبد المقبوض لا يحكم فيه بالقيمة؛ لأنها إن عجلت وهي عين، وترجع عند الأجل بعين أكثر منها، ومسألة الفرس يرجع عند الأجل بثياب فلا فساد، ولو أخذ فرسا مثل فرسه مع الخمسة الأثواب ففي فسخ العقد الأول قولان؛ لأنهما بهما في سلف بزيادة؛ لأنه دفع فرسا وأخذ بعد ذلك فرسا وخمسة أثواب، ولو أخذ الفرس بخمسة من العشرة جاز قولا واحدا، قال ابن يونس‏:‏ لو دفع قبل الأجل أحد عشر ثوبا من جنسها وأعطى خمسة مع الفرس أو سلعة وأبقى الخمسة إلى أجلها امتنع، وحيث منعنا وعجل الثياب مع الفرس، وفاتت الثياب بالقيمة، وإن جعلناها سلفا؛ لأن السلف الفاسد يرد إلى البيع الفاسد، فيجيب في المثل المثل، وفي غيره القيمة، قال أبو الطاهر‏:‏ إذا كانت قيمة الفرس أقل من الخمسة دخله‏:‏ ضع وتعجل، أو أكثر دخله‏:‏ حط

عني الضمان وأزيدك، ويدخله‏:‏ بيع وسلف؛ لأن الفرس المردود مبيع الخمسة والخمسة المعجلة سلف حتى يأخذها من ذمته عند الأجل، وفي هذا الأصل قولان‏:‏ المشهور هذا، وجوزه المتأخرون؛ لأن الذمة قد برئت ولا سلف؛ لأنه لو كان سلفا لوجب أخذه في الفلس ويحاص فيه غرماؤه، ويدخله‏:‏ حط عني الضمان وأزيدك، إن قصد أن الزيادة لحط الضمان، لكن الغالب من الناس خلافه، وإذا عجل الخمسة ففي الكتاب‏:‏ المنع، وفي كتاب محمد‏:‏ الجواز‏.‏

وإن أخرت عن أجلها امتنع اتفاقا لحصول البيع في المردود والسلف في المؤخر، وحيث منعنا ففات المبيع مضى بالقيمة، وهل يمضي السلف بالقيمة، أو المثل‏؟‏ قولان على الاختلاف في السلف الفاسد هل يقضي فيه بالقيمة، أو المثل على الخلاف في كل مستثى من أصل إذا فسد، هل يرد إلى أصل نفسه أو أصل أصله كالقراض والمساقاة والحمالة‏؟‏

فرع‏:‏

في الكتاب قال ربيعة‏:‏ حمار بعشرة دنانير إلى أجل، ثم أقلته على تعجيل دينارا أو بعته بنقد فأقلته على زيادة دينار تؤخره به يمتنع؛ لأن المعجل سلف كالأثواب مع الفرس، والدينار سلف والحمار مبيع بتسعة، فإن كانت قيمته أقل من تسعة فهو‏:‏ ضع وتعجل، أو أكثر فهو‏:‏ حط عني الضمان وأزيدك، ويدخله حمار ودينار بعشرة مؤجلة فهو صرف مستأخر، وغير متماثل، وبيع وصرف، قال سند‏:‏ وإذا منعنا على المشهور ووقع لا تخيير في رد الدينار، كما قلنا؛ لأن قوة العلة ثمة البيع والسلف، وإذا رد السلف صح البيع، والعلة هاهنا بيع وصرف، ولو زاده الدينار إلى الأجل بعينه جاز، وكان الحمار بيع بتسعة من غير تهمة، قاله ابن القاسم وأشهب، إلا أن تكون الزيادة ذهبا مخالفا لذهب الثمن؛ لامتناع المقاصة بل ذهب مؤجل، وسلعة بذهب

إلى أجل، وكذلك منع زيادة ذهب نقدا وإلى أبعد من الأجل وأقرب منه، ويجوز للأجل في مثل العين في الجودة؛ لأنه يكون مقاصة، قال مالك في المدونة‏:‏ إن زاد من غير النقدين نقدا من غير نوع الثمن جاز، ومؤجلا يمتنع، فإن زاد البائع من النقدين أو عرضا نقدا إلى أقرب من الأجل، أو أبعد منه جاز، إلا أن يكون العرض من صنف ما استقال منه فلا يجوز تأخيره؛ لأن الزيادة في البائع لا يأخذ في مقابلها إلا الحمار، فهو بيع الحمار بالمعجل بالدين المؤجل فيجوز، فإن كانت الزيادة من الجنس فكان المشتري أقرض البائع الدابة أو العرض على أن زاده الدينار الذي عنده‏.‏ ولو زاده المبتاع دينارا كان له على البائع فأسقطه أجازه ابن القاسم وكأنه قضاه ذلك من الثمن ووهبه السلعة، وذلك إن تكافأ المالان، وكذلك لو كان الدين أكثر من الثمن ولم يعجله ذهبا وسلعة بذهب إلى أجل لبعد القصد لذلك، وهو ممنوع على أصل ابن نافع لمنعه المقاصة في الدينين إلا أن يحل أحد الأجلين، ولو زاد المبتاع مكان الدينار ورقا امتنع أيضا؛ لأنه صرف متأخر أو عرضاً دخله الدين بالدين، أو بزيادة دينار نقداً، أو دينارين أو أكثر من الثمن جاز عند ابن القاسم وأشهب، ولو زاده الورق نقداً أقل من صرف دينار أجازه ابن القاسم وهو على الخلاف في اجتماع البيع والصرف، ولو زاده عرضا نقدا أجازه وكأنه باعه بالعشرة دنانير حمارا وعرضا، وتجوز الزيادة من البائع مطلقا إلا عرضا من جنس ما استرجع مؤجلا؛ لأنه سلم الشيء في مثله بزيادة، ولو نقد المبتاع العشرة وتقابلا على أن زاد المبتاع عرضا، أو عينا إلى أجل جاز، إلا أن يكون بثمن أقل وضبط بعضهم هذه الإقالات بقوله‏:‏

إذا استقالك مبتاع إلى أجل *** وزاد نقدا فخذه ولا تسل

حاشا من الذهب المرجى إلى أجل *** إلا إلى ذلك الميقاة والأجل

مع الرقاب فلا تردد فإن لها *** حكما من الصرف في التعجيل والأجل

وزده أنت من الأشياء اجمعها *** ما شئت نقدا أو مضمونا إلى أجل

ما لم يكن صنف ما استرجعت تدفعه *** إلى زمان ولا بأسا على عجل

قال ابن يونس‏:‏ لو حل الأجل جاز أن يزيد المبتاع دنانير ودراهم عرضا إذا كانت الدراهم كالعشرة ونحوها لئلا يدخله بيع وصرف، ولو زاده شيئا من ذلك امتنع؛ لأنه فسخ في دين، وهذه المسألة مشهورة في المذهب بحمار ربيعة، والتي قبلها بفرس ابن القاسم‏.‏

قال العبدي في نظائره‏:‏ الإقالة ثلاثة أقسام، تجوز مع رد رأس المال عينا كان أو عرضا، وتمتنع من أكثر منه عينا كان أو عرضا، وتجوز مع الأجل في الدراهم والعروض عند ابن القاسم دون الطعام، خلافا لأشهب في تجويز الجميع، ومنع عبد العزيز في الجميع، والفرق عند ابن القاسم أن الطعام فيه الضمان والتفاضل، وليس في الدراهم ضمان فذهب جزء العلة‏.‏

فرع‏:‏

في الكتاب ذكره في كتاب الخيار‏:‏ عبدان بثمن إلى أجل على رد أحدهما عند الأجل بنصف الثمن على ما هو عليه يومئذ من نماء أو نقص، يجوز؛ لأنه بيع وإجارة في المردود، بخلاف ما لا يعرف بعينه لا تجوز إجارته‏.‏

فرع‏:‏

قال صاحب البيان‏:‏ من ابتاع طعاما بثمن إلى أجل تقايلا قيل الكيل، امتنعت الزيادة من أحدهما لصاحبه؛ لأنه بيع طعام قبل قبضه، إلا أن يستقيل المبتاع بزيادة مثل الثمن إلى ذلك الأجل؛ لأنه يؤدي الثمن ويهب الطعام، وبعد الكيل وقبل القبض في الطعام، أو الثمن أو شيء منهما، فتجوز الزيادة من الطرفين إلا أن تكون الزيادة من الطعام المستقال منه، ويجوز من غير صنفه إذا كانت الزيادة نقدا، أو الثمن مؤجلا فقولان، الجواز محلا الذمم، والمنع، وأما بعد قبص الطعام أو بعضه فنمتنع إلا قاله في جميعه على أن يزيد المبتاع البائع شيئاً؛ لأنه سلف بزيادة لأجل العينة، وكذلك إذا قبض البائع الثمن أو بعضه فتمتنع الإقالة على أن يزيد البائع المبتاع لرده الثمن بعد أن ينتفع به فيكون سلفا بزيادة، فإن كان البيع أصله نقدا جازت الإقالة بغير تهمة والمكيل والموزون والطعام في هذا كله‏.‏ وبقية فروع الإقالة تأتي بعد هذا في بيع الطعام قبل قبضه، وفي كتاب السلم‏.‏

فرع‏:‏

في الكتاب‏:‏ لا يجوز أن يشتري عبدك المأذون مبيعك قبل الأجل بأقل من الثمن نقدا أن تجر بمالك؛ لأنه بمنزلتك، أو بمال نفسه جاز، وكذلك لا يعجبني أن تبتاعها لإبنك الصغير، أو لأجنبي بالوكالة بأقل من الثمن نقدا‏.‏ ولا تبيعها لمشتريها بالوكالة إلا بما يجوز لك أنت، وكذلك شراء ما باعه عبدك إن كان يتجر لك؛ لأن ذلك كله من ذريعة الذريعة، قال سند‏:‏ قال أشهب‏:‏ يمتنع شراء العبد مبيعك، وإن كان يتجر بماله لإمكان الانتزاع، ولا يفسخ إن وقع، ومنع أشهب فسخ شرائك لابنك الصغير، وإن اشترى وكيلك مبيعك إلى أجل بعد علمك بما يمتنع، وقال ابن القاسم‏:‏ يفسخ؛ لأن يدك يد وكيلك، ويجوز شراؤك مبيع عاملك في القراض إلى أجل بدون الثمن؛ لأنك ليس لك منعه من التصرف، بخلاف عبدك ووكيلك‏.‏

فرع‏:‏

في الكتاب‏:‏ لا تأخذ ببعض الثمن سلعة على أن تؤخره ببقيته؛ لأنه بيع وسلف، ويجوز تأخيره بغير شرط‏.‏

فرع‏:‏

في المقدمات‏:‏ من باع بنقد، أو اشترى به، أو بدين، أو باع بين واشترى به، أو بنقد وغاب على النقد، فإن رجع للمخرج مثل ما أخرج أو أقل أو أكثر امتنع إن كانا من أهل الغيبة أو أحدهما، والإيجاز إن كان العقد الأول بالنقد؛ لأنهم يتهمون في التوسل للربا في النقدين والسلف بالزيادة‏.‏

فصل‏:‏ في المقدمات

يتهم أهل العينة فيما لا يتهم فيه غيرهم لعادتهم بالمكروه، والعينة ثلاثة أقسام‏:‏ جائزة ومكروهة ومحظورة‏.‏

القسم الأول‏:‏ أن يقول الرجل للرجل من أهل العينة‏:‏ هل عندك سلعة كذا اشتريها‏؟‏ فيقول‏:‏ لا وينفصلا عن غير مواعدة، فيشتري تلك السلعة ويبيعها منه نقدا أو نسيئة‏.‏

القسم الثاني‏:‏ المكروه أن يقول‏:‏ اشتر لي كذا وأربحك فيه من غير تقدير الربح‏.‏

القسم الثالث‏:‏ أن يقول الربح والثمن، وفيه فروع‏:‏

الأول‏:‏ اشترها لي بعشرة نقدا، واشتريها منك باثني عشر نقدا، فهو أجير بدينارين، فإن كان النقدان أحدهما بغير شرط جاز، أو من المأمور بشرط امتنع؛ لأنها إجارة بشرط سلف الثمن، ويكون له أجره مثله إلا أن تزيد على الدينارين؛ لأنه رضي بهما على رأي ابن القاسم في البيع والسلف من البائع وفاتت السلعة، وعلى رأي ابن حبيب‏:‏ يجب أن له القيمة ما بلغت تكون له الأجرة ما بلغت قال‏:‏ والأصح أن لا تكون له الأجرة لئلا يكون ثمنا للسلف وتتميما للربا، فتكون ثلاثة أقوال، هذا إذا عثر على ذلك قبل انتفاع الآمر، وإلا فقولان، الأجرة ما بلغت لا شيء له، ولو عثر على ذلك قبل أن بنقد المأمور كان النقد من عند الآمر، وفيما يكون للأجير قولان، والأجرة ما بلغت الأقل من الأجرة أو الدينارين، وابن الحبيب يرى أن نقد المأمور تقديم الحرام وإن لم يمض من المدة ما ينفع الآمر فيها، وتكون له الأجرة ما بلغت‏.‏

الثاني‏:‏ يقول‏:‏ اشتر بعشرة نقدا، وأنا ابتاعها منك باثني عشر إلى أجل فهو سلف بزيادة، وتلزم السلعة الآمر؛ لأن الشراء كان له، ويعطي العشرة نقدا وتسقط الزيادة، وله أجرة مثله ما بلغت في قول، والأقل منها ومن الدينارين في قول، ولا شيء له في قول، قال في سماع سحنون‏:‏ إن لم تفت السلعة فسخ البيع، قال‏:‏ وهو بعيد، وقيل معناه‏:‏ إذا علم البائع بعلمها‏.‏

الثالث‏:‏ اشتر لي باثني عشر إلى أجل، وابتاعها بعشرة نقدا فيكون المأمور أجيرا على أن يسلفه الآمر عشرة، وتكون له الأجرة ما بلغت هاهنا اتفاقا‏.‏

الرابع‏:‏ اشتر لنفسك نقدا، واشتريها منك باثني عشر إلى أجل فهو حرام، فإن وقع فعن مالك يلزم الآمر الشراء باثني عشر إلى الأجل؛ لأن المشتري كان ضامنا لها، ولو أراد الآمر تركها كان له ذلك، واستحب أن لا يأخذ المأمور إلا ما نقد، وقال ابن حبيب‏:‏ يفسخ البيع الثاني إن كانت السلعة قائمة، ويرد المأمور فإن فاتت ردت إلى قيمتها معجلة يوم يقبضها الآمر كالبيع الفاسد؛ لأن المواطأة قبل الشراء بيع ما ليس عندك المنهي عنه‏.‏

السادس‏:‏ اشتر لنفسك باثني عشر إلى أجل، وابتاعها بعشرة نقدا فلا يرد البيع إن فات عند ابن القاسم، ولا يكون على الآمر إلا العشرة، ويفسخ البيع الثاني عند ابن حبيب كالبيع الحرام للمواطأة المتقدمة، فإن فاتت فقيمتها يوم قبض الثاني، وظاهر قول ابن القاسم‏:‏ يفسخ ما لم تفت السلعة‏.‏

السابع‏:‏ في الجواهر‏:‏ يشتري من أحدهم بعشرة نقدا، أو بعشرة إلى أجل فيمتنع منهم خاصة كأنه اشتراها فبيع منها بعشرة بدفعها، ويتبع الباقي ينتفع بثمنه الآن، ويدفع عنه الثمن المؤجل، والغالب أنها لا تساوي العشرين فيكون ذهبا في أكثر منه‏.‏

الثامن‏:‏ قال‏:‏ إن يكون متهما في الشراء للبيع دون الأجل فيشتري طعاما بعشرة إلى أجل، ويقول‏:‏ بعته بثمانية فحط عني من الربح قدر النقص فيمنع إذا كان المقصود البيع وكانا أو أحدهما من أهل العينة؛ لأنهم يتواطأون على ربح العشرة اثني عشر، أو غيره فإذا باع ونقص عن تقديرها حطه حتى يرجع إلى ما تراضيا عليه، وهم قوم يوسعون الحيلة في الحرام، وقد قال الأصحاب‏:‏ إن كانت البيعتان أو الأولى إلى أجل اتهم جميع الناس، فإن أفضى إلى مكروه امتنع، وإن كانتا نقدا فلا يتهم في الثانية إلا أهل العينة، وكذلك إن كانت الثانية هي المؤجلة، وقيل‏:‏ بل يتهم في هذه جميع الناس‏.‏ قال أصبغ‏:‏ إن كان أحدهما من العينة فاعمل على أنهما جميعا من أهل العينة‏.‏

التاسع‏:‏ قال صاحب البيان‏:‏ قال مالك‏:‏ إذا باع قمحا بدينار، ثم اشترى منه المشتري بزائد دينار، ثم تساقطا الدينارين لا يجوز، ويرد الثمن؛ لأنه قبض طعاما من ثمن الطعام، وعلى مذهب عبد الملك‏:‏ يفسخ البيعين لفسخ القمح أيضا، وقال محمد‏:‏ تفسخ المقاصة فقط‏.‏

العاشر‏:‏ قال‏:‏ قال مالك‏:‏ اشترى تمرا جزافا ولم يبعه، ثم اشترى البائع منه أكثر من الثلث كيلا، امتنع نقد أم لا؛ لأنه ذريعة إلى استثناء أكثر من الثلث من الجزاف، وهو متفق على منعه، وإن كان البيع إلى أجل، قال سحنون‏:‏ لا يشتري منه شيئا أصلا، وكذلك إن تفرقا، وإنما يجوز أقل إذا لم يتفرقا بغير نقد، ولو كان من أهل العينة امتنع الشراء مطلقا بعد العينة لا نقدا ولا مقاصة‏.‏

الحادي عشر‏:‏ قال‏:‏ إذا باع رطبه بثمن إلى أجل ففي جواز أخذه إذا يبس ثلاثة أقوال‏:‏ الجواز في التفليس وغيره؛ لأن اقتضاء الطعام من ثمن الطعام إنما يحرم لتوقع بيع الطعام بالطعام نسيئة، وهاهنا أخذ عين نسيئة، والمنع في التفليس وغيره خشية بيع الرطب بالتمر، والفرق بين التفليس فيجوز؛ لأنه أدت إليه الأحكام وغيره فيمتنع، فلو باع عبدا بثمن إلى اجل ففلس المشتري وقد أبق العبد قال مالك‏:‏ يخير بين محاصة الغرماء وطلب العبد، فإن وجده أخذه، وإلا حاص الغرماء، وقال أيضا‏:‏ إن رضي بطلبه ليس له الرجوع للمحاصة، وابتاع العبد دين بدين وحظره، وهو أظهر الأقوال‏.‏

فرع‏:‏

قال ابن القاسم‏:‏ إذا باع لحما وتكفل به جميل، فدفع الحميل للجزار الثمن جاز أخذ الكفيل من المشتري في دراهمه طعاما؛ لأنه لم يدفع طعاما، ولا يأخذ الجزار من الحميل بدراهمه طعاما؛ لأنه باع طعاما تنزيلا للحميل منزلة المحال عليه، فإن كان أخذ الطعام من الحميل صلحا عن المشتري، قيل‏:‏ يجوز ويخير المشتري بين إجارة الصلح ودفع الطعام، وبين دفه الدراهم، وقيل‏:‏ يمتنع ذلك؛ لأنه يدفع طعاما ولا يدري ما يرجع إليه، فإن أشكل وجه دفع الطعام في الصلح، أو غيره فقولان في نفوذ الطعام‏.‏

فائدة‏:‏ في التنبيهات‏:‏ العينة بكسر العين مأخوذة من العين، وهو النقد لحصوله لبائعها في الحال، وقد باع إلى أجل، وفسرها في المدونة بالبيع إلى أجل، أو الشراء بأقل نقدا، قال صاحب‏:‏ هي فعلة من العون؛ لأن البائع يستعين المشتري على تحصيل مقاصده، وفي أبي داود‏:‏ قال عليه السلام‏:‏ ‏(‏إذا تبايعتم بالعينة واتبعتم أذناب البقر‏)‏ الحديث، وبتفسير مالك فسرها ابن عباس، وقال غيرهما‏:‏ بيع ما ليس عندك، وجعل مالك منها بيع الطعام قبل قبضه ليبين أنها كل عقد ممنوع‏.‏

القسم الثاني من الكتاب‏:‏ في لزوم العقد وجوازه

والخيار يتنوع إلى خيار المجلس، وخيار الشرط، وخيار النقيصة، فهذه ثلاثة أنواع‏:‏

النوع الأول‏:‏ خيار المجلس‏:‏

والأصل في العقود‏:‏ اللزوم؛ لأن العقود أسباب لتحصيل المقاصد من الأعيان، والأصل ترتيب المسببات على أسبابها، وخيار المجلس - عندنا - باطل، والبيع لازم بمجرد العقد تفرقا أم لا‏.‏ وقاله ‏(‏ح‏)‏، وقال ‏(‏ش‏)‏ وابن حنبل بعد اللزوم، وخيار المجلس متى يتفرقا أو يختارا الإمضاء، وحكاه أبو الطاهر عن ابن حبيب، وكذلك الإجارة والصرف والسلم والصلح على غير جنس الحق؛ لأنه بيع، وعلى جنس الحق حطيطة لا بيع، والقسمة على القول بأنها بيع لما في الموطأ‏:‏ قال عليه السلام‏:‏ ‏(‏المتعاقدان بالخيار ما لم يفترقا إلا بيع الخيار‏)‏ وفي البخاري‏:‏ أو يقول أحدهما للآخر‏:‏ اختر، وعنه عشرة أجوبة‏:‏

الأول‏:‏ قال محمد بن الحسن‏:‏ يحمل المتبايعان على المتشاغلين بالبيع، فإن باب المفاعلة شأنها اتحاد الزمان كالمضاربة ونحوها، ويكون الافتراق بالأقوال، فكما أن المتضاربين يصدق عليهما حالة المباشرة اللفظ حقيقة، فكذلك المتبايعان، ويكون الافتراق مجازا، يدل عليه ما سيأتي من الأدلة، ولأن ترتيب الحكم على الوصف يدل لي عليه ذلك الوصف لذلك الحكم فيكون وصف المفاعلة هو عليه الخيار، فإذا انقضت بطل الخيار لبطلان سببه، فيكون الحديث حجة عليهم لا لهم‏.‏

الثاني‏:‏ أن أحد المجازين لازم في الحديث؛ لأنا إن حملنا المتبايعين على حلة المبايعة كان حقيقة، ويكون المجازي الافتراق فإن أصله في الأجسام، نحو افتراق الخشبة وفوق البحر، ويستعمل مجازا في الأقوال نحو قوله تعالى‏:‏ ‏(‏وإن يتفرقا يغن الله كلا من سعته‏)‏ وقوله عليه السلام‏:‏ ‏(‏افترقت بنو إسرائيل وستفترق أمتي‏)‏ الحديث أي‏:‏ بالأقوال والاعتقادات، وإن حملنا المتبايعين على ما تقدم منه كان مجازا كتسمية الخبز برا والإنسان نطفة، ثم في هذا المقام يمكننا الاقتصار على هذا القدر، ونقول‏:‏ ليس أحدهما أولى من الآخر، فيكون الحديث محتملا يسقط به الاستدلال، ولنا‏:‏ ترجح المجاز الأول بكونه مقصودا بالقياس والقواعد‏.‏

الثالث‏:‏ قوله عليه السلام في بعض الطرق في أبي داود والدارقطني‏:‏ ‏(‏المتبايعان كل واحد منهما بالخيار ما لم يفترقا، إلا أن يكون صفقة الخيار، ولا يحل له أن يفارق صاحبه خشية أن يستقيله‏)‏ فلو كان خيار المجلس مشروعا لم يحتج الإقالة‏.‏

الرابع‏:‏ المعارضة لنهيه عليه السلام عن يبيع الغرر وهذا من الغرر؛ لأن كل واحد منهما لا يدري ما يحصل له هل الثمن أم المثمن‏.‏

الخامس‏:‏ قوله تعالى‏:‏ ‏(‏أوفوا بالعقود‏)‏ والأمر للوجوب المنافي للخيار‏.‏

السادس‏:‏ لو صح خيار المجلس لتعذر تولي طرفي العقد كشراء الأب لابنه الصغير والوصي والحاكم، لكن ذلك مجتمع عليه عليه، فيلزم ترك العمل بالدليل على قولنا‏:‏ لا يلزم، وكذلك يلزم فيما يسرع إليه الفساد من الأطعمة كالهرايس والكناسل‏.‏

السابع‏:‏ خيار مجهول العاقبة، فيبطل الخيار الشرط‏.‏

الثامن‏:‏ عقد وقع الرضا به فبطل خيار المجلس فيه كما بعد الإمضاء‏.‏

التاسع‏:‏ قال أبو يوسف‏:‏ يحمل على ما إذا قال المشتري‏:‏ بعني، فقال له البائع‏:‏ بعتك، له الخيار ما دام في المجلس، وهذه صورة تفرد بها الحنفية فلابد أن يقول عندهم‏:‏ اشتريت، وإن كان استدعاء للبيع، وحملوا عليه قوله عليه السلام في البخاري‏:‏ ‏(‏أو يقول أحدهما للآخر‏:‏ اختر‏)‏ أي‏:‏ اختر الرجوع على الإيجاب أو الاسترعاء، ونحن نحمله على اختيار شرط الخيار فيكون معنى الحديث المتبايعان بالخيار ما لم يفترقا فلا خيار، أو يقول أحدهما لصاحبه‏:‏ اختر فلا تنفع الفرقة، ولذلك لم يروا إلا بيع الخيار مع هذه الزيادة‏.‏

العاشر‏:‏ عمل المدينة وهو مقدم على خبر الواحد، فإن تكرر البيع عندهم مع الأنفاس فعدم خيار المجلس من بين أظهرهم يدل على مشروعية دلالة قاطعة، والقطع مقدم على الظن، إذا تقرر هذا فاعلم أن القواعد والقياس معنا كما تقدم، وقد تعارض في هذا الموضع خبر الواحد والقياس، فلما كان شأن الحنفية تقديم القياس قدموه هاهنا، واختلف النقل عن مالك في تقديم القياس على خبر الواحد، فنقل عبد الوهاب عند تقديمه، ونقل عنه غيره عدم تقديمه‏.‏

فعلى الأول طرد أصله مع الحنفية، وعلى الثاني يكون القياس هاهنا معضودا بعمل المدينة، وبهذه المباحث يظهر لك نفي التشنيع عليه في كونه روي خبرا صحيحا وما عمل به، فما من عالم إلا وترك جملة من أدلة الكتاب والسنة لمعارض راجح عنده، وليس هذا خاصا به رضي الله عنهم أجمعين‏.‏

النوع الثاني‏:‏ خيار الشرط‏:‏

ويتمهد بالنظر في مقدار مدة الخيار، وما يقطعه، وما يحدث في مدة الخيار من علة أو جناية أو نحوها‏.‏

النظر الأول‏:‏ في مقدار مدة الخيار

وأصله الحديث المتقدم لقوله‏:‏ إلا بيع الخيار؛ لأن الاستثناء من النفي إثبات‏.‏

سؤال‏:‏ إذا باع درهما بدرهم، أو أحد المتماثلين بالآخر كيف يمكن كيف يكون القول بمشروعية خيار الشرط أو المجلس إن قيل به، والخيار إنما شرع؛ لتبيين الأفضل فيؤخذ، أو المفضول فيترك، والعاقبة في المعاوضة، والكل منتف هاهنا فقطعنا بانتفاء العلة فينبغي أن نقطع بانتفاء المعلول، وفي الكتاب‏:‏ بيع الخيار جائز في الثوب نحو اليومين، وفي الجارية نحو الجمعة لاختيارها، والدابة نحو اليوم، ويجوز اشتراط سير البريد ونحوه للاختبار، وقال غيره‏:‏

البريدين، وفي الدار نحو الشهر، ويمنع البعيد من أجل الخيار للغرر؛ لأنه لا يدري ما يكون المبيع عند الأجل، وقد يزيد في الثمن لأجل الضمان، قال صاحب التنبيهات‏:‏ وروي في الدابة والثوب ثلاثة أيام، وقول ابن القاسم‏:‏ البريد، وقول أشهب البريد إن قبل للذهاب والرجوع، ويحتمل التوفيق بين القولين بأن يكون البريدان للذهاب وللرجوع، وفي الجواهر‏:‏ قيل‏:‏ في الدار الشهران لعبد الملك لسبر الحيطان والأساسات وغير ذلك، قال ابن يونس‏:‏ فإن شرط الخيار سنين فبنى وغرس، والخيار للبائع، فليس فوتا وتكون فيه قيمته منقوضاً، وإن بنى بعد أجل الخيار فهو فوت وعليه قيمة الدار يوم انقضاء الخيار، قاله سحنون، وقال أيضا‏:‏ يضمن المشتري يوم القبض كالبيع الفاسد، قال صاحب النكت‏:‏ لم يذكر في الكتاب الأرضين وهي مع الدور سواء، يجوز فيها خيار الشهرين، ولا وجه لتفرقة من فوق، ولا لمن قال‏:‏ عشرة أيام في التنزيل الكل سواء، فهذا تحرير المذهب أن الخيار يشترط بحسب الحاجة في كل مبيع على حسبه، وجوزه ابن حنبل لأي مدة أرادوا؛ لقوله عليه السلام‏:‏ ‏(‏المؤمنون عند شروطهم‏)‏ ومنعه الشافعي و‏(‏ح‏)‏ في الزائد على ثلاثة أيام لما في مسلم‏:‏ ‏(‏أن حبان بن منقذ وكان قد أصابته جراحة في رأسه فكان يخدع في البيع فشكا أهله إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فنهاه فقال‏:‏ لا أصبر، فقال‏:‏

إذا بعت فقل لا خلابة، ولك الخيار ثلاثة‏)‏ ويدل من وجهين‏:‏ أحدهما‏:‏ أن حاجته للخيار شديدة؛ لأنه كان يغبن، فلو جاز الزائد على الثلاث لجوزه له، وثانيها‏:‏ التحذير الشرعي يمنع الزيادة كأوقات الصلوات، ولأن شرط الخيار شهراً غرر؛ لأنه لا يدري كيف يكون البيع حينئذ، ولا ما يحصل له من الثمن أو المثمن، وقياسا على المصراة‏.‏

الجواب عن الأول‏:‏ أنه متروك بالإجماع فإنه عليه السلام جعل له خيار الثلاث بمجرد العقد، ولو قال‏:‏ آخذه أنا اليوم لا خلابة لم يكن له خيار شرط، ولأنه روي أنه كان يتجر في الرقيق فجعل له ذلك فلا يتناول محل النزاع في الدور وغيرها، وأما التحديد فيلزم إذا جهل معناه‏.‏ أما إذا عقل فلا؛ لقوله عليه السلام‏:‏ ‏(‏تحيضين في علم الله ستة أيام أو سبعا‏)‏ وليس حدا إجماعا، وعن الثاني‏:‏ أنه عذر تدعو الحاجة إليه كخيار الثلاث، بل هو أولى من خيار المجلس لعدم انضباطه، وهذا منضبط، وعن الثالث‏:‏ أن المصلحة تحصل بالثلاث؛ لتبيين التدليس بخلاف هاهنا، ثم سر الشريعة معنا؛ لأنا أجمعنا أن مشروعية الخيار إنما كانت لاستدراك المصلحة فوجب أن يشرع منه ما يحصلها كيف كانت تحصيلا لمقصود الشرع، ولأنه أجل من مقصود العقد فلا يتجرد كالأجل في السلع أو الثمن‏.‏

تفريع‏:‏ قال اللخمي‏:‏ الخيار يكون في الثمن هل فيه عين أم لا‏؟‏

ولاختبار المبيع، ولتبيين المصلحة في الشراء، وإن علمها ففي الأولين له قبض المبيع لاختبار دون الثالث لحصول المقصود دون القبض، فإن أشكل الأمر حمل على الثلاث؛ لأنه الظاهر، فإن أطلق الخيار حمل على ما يحتاج إليه من الأجل؛ لأن الأصل حمل تصرف العقلاء على الصحة‏.‏

وقال ‏(‏ش‏)‏ و‏(‏ح‏)‏‏:‏ يفسد العقد كما لو نصا على عدم التقييد، وهو ظاهر اللفظ، وإن زاد يسيرا كره أو كثيرا جدا فسخ عند مالك؛ لاتهامهما في إظهار الخيار وإبطال البت ليكون في ضمان البائع بجعل، وفيه خلاف كما تقدم في بيوع الآجال، هل المنع لأنه عادة في التعمد للفساد فيفسخ‏؟‏ وإن لم يكن عادة مضى بالثمن، وينبغي في الثوب إذا كان يريد معرفة ذرعه فبالحضرة، وتجوز الغيبة للاحتياج بالقياس على الأهل، وعن ابن القاسم في العبد والجارية عشرة أيام، وعن مالك شهر؛ لأن الرقيق يكتم عيبه إن أحب مشتريه، أو بتكاسل إن أحب بائعه فيظهر باطه في ذلك إن كان مصري الدار من أهل المحلة لمن يمكن من سكناها يعلمه بأحوال الحيوان، وإلا يكن والارتواء يكثر بكثرته، أو يقل بقلته، وإن كان الخيار لاختبار الثمن وهي بعهدة، ولاختبار المبيع وهي قربة نظر لأبعدهما، فإذا انقضى الأقرب رد للبائع وبقي الخيار‏.‏

فرع‏:‏

قال اللخمي‏:‏ والعوض عن الانتفاع في الدار والعبد والدابة تساقط إن كان المشتري في مسكن يملكه أو بكراء ولم يحله لأجل الاختبار، وإن خلاء أو كراء لم يسقط، وإن كان اختبار الدابة فيما لا يستأجر له سقط والاقط، والعبد إن كان عبد خدمة سقط؛ لأن العادة لا يستأجر لمثل هذا، أو عبد صناعة يقدر على معرفته فيها عند البائع فعل، وإلا ففيه أجرة صنعته إلا أن يعمل مالا أجر له، أو عبد خراج، فبعثه المشتري ليكتسب له طلع على قدر كسبه فكسبه للبائع، وإن دخل على أنه للمشتري امتنع للجهل به، فإن قبل المشتري بعد الأمد فللبائع الثمن والأجرة، أو قبل الانتفاع سقطت الأجرة، أو بعد ذهاب بعض الأمر فأجرة الماضي فقد للبائع، وأجل الثمن للبائع مثل أجله للمشتري، ولا يضرب له أجل الاختيار لعله بملكه، فإن فعل حمل على أنه استثاؤها، جاز، وإلا فلا إلا أن يكون أمد تغير فيه الأسواق فيمتنع الخيار إليه‏.‏

فرع‏:‏

في الكتاب‏:‏ لا يلبس الثوب للاختبار لعدم توقف الاختبار عليه، بخلاف ركوب الدابة‏.‏

قال ابن يونس‏:‏ فإن لبس ونقص فقيمة نقصه عليه، وقيل‏:‏ لا شيء عليه كلاغلات‏.‏

فرع‏:‏

في الجواهر‏:‏ يمتنع أن تكون المدة مجهولة كقدوم زيد، أو ولادة ولده، أو إلى أن ينفق سوق السلعة من غير أمارة على شيء من ذلك، ويفسد البيع لتمكن الغرر في حصول الملك، وإن شرط أكثر مما يجوز فسد العقد ولو اسقط الشرط؛ لأن مقتضى الشرط اختبار الإمضاء فهو فيه تخريجا من مسألة من أسلم في ثفر سلما فاسدا‏.‏ فلما فسخ أراد أخذ تمر برأس ماله قبل المنع لتتميم العقد الفاسد، وقيل‏:‏ يجوز، قال الطرطوشي في تعليقه‏:‏ إذا اشترط خيارا بعد الغيبة، أو أجلا مجهولا فسد، وإن سقط الشرط، وقاله ‏(‏ش‏)‏ ويفسده ‏(‏ح‏)‏ مع الإسقاط فيهما، كما لو تزوج أجنبية وأخته‏.‏

فرع‏:‏

يمتنع اشتراط النقد في بيع الخيار لئلا يكون تارة بيعا وتارة سلفا، ويجوز بغير شرط؛ لأن السلف بغير شرط يجوز في البيع، قال اللخمي‏:‏ لا ينبغي بغير شرط في على الجواري؛ لأنه إذا قبل يكون أخذه في دينه جارية لتواضع للاستبراء فيشتبه الدين في الدين، ولا يفسخ إذا وقع‏.‏

نظائر‏:‏ قال العبدي‏:‏ يجوز النقد بغير شرط، ويمتنع مع الشرط في خمس مسائل‏:‏ الخيار، وعهدة الثلاث، والمواضعة، والغائب البعيد، وكراء الأرض غير المأمونة، ويمتنع النقد مطلقا في ثلاثة‏:‏ الخيار في المواضعة، والخيار في السلعة الغائبة، والخيار في الكراء‏.‏

فرع‏:‏

في الكتاب‏:‏ إذا جعلا الخيار بعد تمام العقد لربهما إذا كان يجوز في مثله الخيار، وهو بيع مؤتنف، وما أصاب السلعة في أيام الخيار هو من المشتري؛ لأنه صار بائعا، قال صاحب النكت‏:‏ قال بعض القرويين‏:‏ معناه أن المبتاع سلم الثمن وقبض المبيع، ثم جعل للبائع فيها الخيار، فإن لم ينقد فلا كمن باع بالخيار بشرط النقد، وكذلك لو كان الجاهل للخيار هو البائع، قال ابن يونس‏:‏ ظاهر الكتاب‏:‏ الضمان من المشتري كان الجاعل للخيار هو المشتري أو البائع، وكأنه قال للمشتري‏:‏ إن شئت بعها ولك الخيار فالمشتري بائع على التقديرين، وقال المخزومي‏:‏ إن جعله البائع فالضمان منه؛ لأنه خيار ألحقه بعقده، وإلا فمن المشتري؛ لأنه تابع‏.‏

فرع‏:‏

في الكتاب‏:‏ اشتراط البائع رضا فلان يجوز، وأيهما رضي جاز؛ لأن فلانا وكيل، فاختيار البائع عزل، وإن اشترى لفلان على أن يختار فلان، أو لنفسه على رضا فلان، أو على خيار فلان، ليس له إجازة ولا رد دون خيار من اشترط خياره، قال ابن يونس‏:‏ تبيين أن للبائع خلاف من اشترط خياره هاهنا وبينه في المشتري مجمل، أبو محمد أن ذلك للبائع دون المشتري على ظاهر للفظ، وعن ابن القاسم للبائع المخالفة بخلاف المشترى، وعنه التسوية في صحة المخالفة، ولم يختلف قوله‏:‏ إن للبائع المخالفة، وإنما اختلف في المشتري، ووجه التسوية أنه فرع عنهما، فهما أولى منه، ووجه التفرقة ضعف المشتري؛ لأن ملكه لا يتم إلا بالقبول وملك البائع متأصل، ووافقنا ‏(‏ح‏)‏ في اشتراط خيار الأجنبي قياسا على الوكالة في سائر التصرفات، وخالفنا الشافعي وابن حنبل؛ لأن الخيار على خلاف الأصل، والإنسان أعلم بمصلحته فلا يقاس عليه غيره، قال اللخمي‏:‏ إن كان رضا فلان شرطا ليس لأحدهما عزلة إلا باتفاقهما، فإن اتفقا على العزل أو القبول أو الرد جاز، وإن اختلفا بقي على ما بيده‏.‏

قال‏:‏ وأرى إذا كان الشرط من البائع وحده وأراد المشتري التقييد، فقال البائع‏:‏ حتى يختار فلان أن للبائع التقييد دون الرد، وإن كان من المشتري ورغب البائع في بت البيع، فقال المشتري‏:‏ حتى يختار فلان أن للمشتري البيع دون ردة قبل فلان، وليس له الرد دون فلان، قال صاحب التنبيهات‏:‏ الذي عليه الحذاق في شرط رضا فلان لهما جميعا لم يكن رجوع، ولا عزل دون صاحبه، وإن شرط أحدهما فليس له مخالفة فلان دون الآخر، ولم يختلف قولهم‏:‏ إن لمشترط المشورة تركها إلا تأويل لأبي إسحاق، ولم يختلف قول مالك في الكتاب‏:‏ إن اشتراط رضا فلان جائز، وعن ابن القاسم أنه مخاطرة، والخيار لأحد المتبائعين رخصة‏.‏ فلا يتعدى لغير ضرورة، وقاله ابن حنبل وبعض الشافعية‏.‏ وفي المقدمات‏:‏ إذا اشترط أحدهما الخيار لغيره أربعة أقوال‏:‏ الخيار للمشترط دون المشرط له؛ لأنه الأصل المشترط له، والخيار حق لهما فإن أراد البائع إمضاء المبيع لزم ذلك المبتاع، وإن لم يوافقه الذي جعل البائع الخيار له، وإن أراد الذي جعل البائع الخيار له الإمضاء مضى، وإن ذكره البائع إلا أن يوافق المبتاع البائع على الرد، كذلك المبتاع مع من اشترط خياره، والقول الرابع‏:‏ الفرق بين أن يشترط ذلك البائع أو المبتاع مع من اشترط، وعلى ذلك تأول في المدونة ابن أبي زيد والتونسي وابن لبابة إلا أنهم اختلفوا في التأويل إذا اشترط ذلك البائع، فقال ابن لبابة‏:‏ يلزم البيع المبتاع برضا البائع، ويلزم برضا المشترط خياره، وقاله ابن أبي زيد، وقال التونسي‏:‏ إن ذلك كالوكالة، واختلف فيما في المدونة هل هو اختلاف قول في البائع والمبتاع‏؟‏ وقيل‏:‏ ليس بخلاف بل تفرقة بين البائع والمبتاع، ولم يختلفوا في المشورة إن لمشترطها تركها إلا ما في الكتاب إنهما كالخيار، وأنه إذا سبق وأشار لزم، وهو بعيد؛ لأن مشترط المشورة اشترط بقوى به نظره، لا أنه طرح نظره ومشترط الخيار لغيره معرض عن نظر نفسه، في الجواهر‏:‏ قال في الكتاب‏:‏ لمشترط المشورة الاستقلال في مشترط الرضا، إن كان بالغا استقل، واختلف المتأخرون في بقاء التفرقة على ظاهرها، وهو رأي الأكثرين، أو التسوية بينهما، وحمل افتراق الأجوبة على افتراق الأسئلة، وهو رأي الشيخ أبي محمد قال بعض المتأخرين‏:‏ ينظر إن اشترطا الرضا جميعا، ولهما فيه غرض فهو كالوكيل لهما ليس لأحدهما الاستقلال، وإن اشترطه أحدهما فله لاستقلال، وقيل‏:‏ هذا هو الأصل، ولكن إذا لم يظهر أحد القصدين فظاهر الكتاب الاستقلال، وقال ابن حبيب‏:‏ ليس له ذلك، وقيل‏:‏ هذا في حق المشتري، أما البائع فالأصل بقاء ملكه فلا بد من دليل يدل على الرضا بالانتقال، وهذا سبب التفرقة بين البائع والمشتري في الكتاب‏.‏

فرع‏:‏

قال ابن يونس عن أبي سعيد بن أخي هشام‏:‏ إذا اشترط المبتاع رضا فلان فمات قبل ذلك، لم يلزم البائع البيع إلا برضاه، وهذا على قوله‏:‏ ليس للمبتاع المخالفة، أما على القول الآخر فلا‏.‏

فرع‏:‏

قال‏:‏ إذا اشترط الوكيل خيار الموكل فضاع المبيع قال مالك‏:‏ ضمانه من الموكل له ليس الوكيل، وأحب إلي أن يكون من الوكيل، إلا أن يبين أنه وكيل فمن البائع؛ لأن الموكل لم يأمره باشتراط خياره، ولو أمره كان هلاكه منه‏.‏

فرع‏:‏

في الكتاب‏:‏ يجوز للمشتري اشتراط مشورة فلان القريب، وله مخالفته، فإن فسد العقد كالخيار الطويل، وليس له إجازته‏.‏

قال ابن يونس‏:‏ قال ابن نافع‏:‏ المشورة كالخيار الطويل لا يستعمل مشترطها دون المشترط، وعن ابن القاسم‏:‏ الخيار كالمشورة في الاستقلال، قال اللخمي‏:‏ لمشترط المشاورة تركها إلا أن يدخلا على التزامها‏.‏

فرع‏:‏

في الكتاب‏:‏ يمتنع الخيار في الصرف؛ لضيقه باشتراط المناجزة عقيب العقد، ويجوز في السلم اليومين والثلاثة للحاجة للسؤال، ويمتنع البعيد؛ لأنه بيع دين بدين فعفي عن يسيره دون كثيره‏.‏

فرع‏:‏

في الجواهر‏:‏ الملك في زمن الخيار للبائع، والعقد ليس بناقل حتى يتصل به الإمضاء‏.‏

وقيل للمشتري، قاله ‏(‏ش‏)‏ وابن حنبل، والعقد ناقل، واختيار الفسخ رد، وقال ‏(‏ح‏)‏‏:‏ إن كان الخيار للبائع أولهما فللبائع لبقاء علقته، وإلا فللمشتري، ويبقى الملك معلقا حتى ينقضي الخيار، لنا‏:‏ الاستصحاب في ملك البائع، ولأن العقد إنما ينقل الملك بالرضا من الطرفين، ولم يحصل الرضا حتى يحصل الإمضاء‏.‏ فلا ينتقل الملك، وبه يظهر اعتماد الخصم على صورة العقد فإنا لا تساعد على صورة للعقد كافيه؛ لأن العقد لو انتقل لما رجع الأبعد؛ لأنه السبب الشرعي، والرد ليس بعقد ولا سبب شرعي لنقل ملك في غير صورة النزاع إجماعا، فكذلك فيها‏.‏

فرع‏:‏

في الكتاب‏:‏ إذا اشترى الصبرة كل فقير بدرهم، ليس له ترك البعض إلا برضا البائع، وكذلك الغنم والثياب، قال صاحب التنبيهات‏:‏ من الأصحاب من منع هذه المسألة للجهل بجملة الثمن، قال أبو عمران‏:‏ ويشترط في الغنم والثياب أن يعلم عددها بخلاف الطعام؛ لأنها لا تباع جزافا، واستحقه ابن القاسم؛ لأن تفصيل الثمن معلوم‏.‏

فرع‏:‏

قال ابن يونس‏:‏ إذا اختلفا لمن الخيار منهما قال ابن القاسم وأشهب‏:‏ يتحالفان ويثبت البيع، قال محمد‏:‏ إن اتفقا على رد أو إجازة فلا يحلفان لحصول المقصود، وإلا صدق مريد الإمضاء مع يمينه، ولا يحلف الآخر لعدم الفائدة، واليمين على من يحكم له، وهذا يحكم عليه، وعن ابن القاسم‏:‏ ينقض البيع ولا تقبل دعوى واحد منهما لتساويهما، وعنه‏:‏ البيع لازم والخيار ساقط؛ لأنه الأصل، قال أصبغ‏:‏ ويحلفان ولا أبالي من بدأت باليمين، والأحسن التبدئة بالمبتاع؛ لأنه آكد، فإن نكل أحدهما دون الآخر صدق الحالف، فإن اتفقا على الخيار واختلفا في الإمضاء والرد ففي التلقين‏:‏ يقدم الراد؛ لأنه مقصود الخيار، وأما الإمضاء فالعقد كاف منه‏.‏

فرع‏:‏

في الكتاب‏:‏ يجوز شراء ثوب من ثوبين بخياره، أو خمسين من مائة إن كانت جنسا واحدا، أو ذكر صفتها وطولها وعرضها، وإن اختلفت القيمة بعد أن تكون كلها مروية أو هروية، فإن اختلفت الأجناس امتنع للخطر حتى يسمي ما يختار من كل جنس، وكذلك إن اجتمع حرير وصوف وابل وبقر، لم يجز إلا على ما تقدم، ويمتنع في الطعام اختيار صبرة من صبر، أو نخلة، أو شجرة من نخيل، أو شجرة مثمرة اتفق الجنس أو اختلف، أو كذا وكذا عزقا من نخلة، ويدخله التفاضل في الطعام مع بيعه قبل قبضه إن كان على الكيل؛ لأن الخيار بعد منتقلا عما تركه، وكذلك عشرة آصع محمولة بدينار، أو تسعة سمراء على الالتزام، وكذلك أربع نخلات يختارها وأصولها من غير تمر يجوز كالعرض، بخلاف البائع يستثني أربع نخلات، أو خمسا أجازه مالك بعد أن وقف أربعين ليلة، وجعله كمن باع غنمه على أن يختار منها خمسا، وكرهه ابن القاسم، وأجازه إن وقع؛ لأن المستثنى مبقى على الملك، قال اللخمي على القول بأن المختار لا يعد منتقلا‏:‏ تجوز مسألة المحمولة أو السمراء أو يبطل التعليل بالتفاضل، وبيع الطعام قبل قبضه، وإذا كان المبيع كتانا أو صوفا فأربعة أوجه‏:‏ إن كان بالخيار في آن يأخذ أي تلك الأصناف شاء، امتنع استوى الثمن أو اختلف، وإن قال‏:‏ آخذ عشرة من كل صنف، وله أن يختارها، ويترك الجميع جاز؛ لأن المبيع معلوم، وإن كان الخيار للبائع منه حيث يمنع المشتري، ويجوز حيث يجوز بشرط أن يكون أقل ذلك الصنف أو أقله على القول الآخر، قال صاحب المقدمات‏:‏ إذا انعقد البيع على أحد مثمنين بثمن واحد، وهما لا يجوز تحويل أحدهما في الآخر امتنع اتفاقا مع ظهور التهمة فإن لم يتهما جاز، مثل أن يختلف المبيعان فيما عدا الطعام في القلة والكثرة، مع النقد أو التساوي في الأجل، فإن جاز تحويل أحدهما في الآخر امتنع إلا على قول عبد العزيز بن أبي سلمة‏.‏ وكذلك الصنف الواحد إذا اختلفت صفته حتى يجوز سلم أحدهما في الآخر، فإن اختلفت الصفة إلا أنه لا يجوز سلم أحدهما في الآخر فيجوز عند محمد، وإن كانا صنفا واحدا وتفاضلا في الجودة جاز على ما في المدونة وقول محمد، وامتنع عند ابن حبيب، وإن استوت الصفة جاز اتفاقاً خلاف لـ ‏(‏ش‏)‏ و‏(‏ح‏)‏؛ لأن أحد الثوبين كبير ممن صبر‏.‏

النظر الثاني‏:‏ فيما يقطع الخيار‏:‏

وفي الجواهر‏:‏ والصادر من المتعاقدين هو على ثلاثة أقسام‏:‏

القسم الأول‏:‏ ما يدل على الرضا بالنص على الأخذ أو الترك، أو ما يدل عليهما من فعل أو ترك كإمساكه عن القول أو الفعل الدالين على أحد الوجهين حتى تنقضي مدة الخيار‏.‏ فإنه يقضي بذلك على المشتري في الإمضاء إن كانت السلعة بيده ولم يردها، وعلى البائع إن كانت بيده ولم يدفعها؛ لأنه ظاهر الحال، وإن ترك المشتري لها في يد البائع فسخ، وإن الفعل وإن دل في العادة على الإمضاء والرد عمل بمقتضاه، وإن كان محتملا ألغي؛ لأن الأصل بقاء الخيار‏.‏

القسم الثاني‏:‏ ما لا دلالة له فلا يعد رضا اتفاقا كاختيار الأعمال وشبهه‏.‏

القسم الثالث‏:‏ مختلف فيه كالرهن والإجارة على ما يأتي تفصيله إن شاء الله تعالى، والاعتماد في هذا الفسخ على القرائن‏.‏

قال سحنون‏:‏ وكل ما يعد قبولا من المشتري يعد فسخا من البائع، قال اللخمي‏:‏ لا يجوز لك مطلقا؛ لأن الغلات للبائع فإذا أجر أو سلم فعل ذلك في ملكه‏.‏

قال أبو الطاهر‏:‏ وهذا يختلف فإن طول المدة في الإجارة يقتضي الفسخ، قال صاحب النكت‏:‏ إن كان المبيع بيد البائع والخيار له فيحتاج بعد أمر الخيار إلى الإشهاد إن أراد إمضاء البيع، ولا يحتاج إن أراد الفسخ، أو بيد المشتري وأراد الفسخ احتاج الإشهاد، وإلا فلا، ووافقه ابن يونس، وهو خلاف إطلاق صاحب الجواهر‏:‏ أن مضي الأجل كاف مطلقا، وفي الكتاب‏:‏ إذا مضت أيام الخيار وأراد الرد والسلعة في يديه، أو الأخذ وهي في يد البائع، فليس له ذلك إن بعدت أيام الخيار، وله ذلك إن كان بعد غروب الشمس من أيام الخيار، أو من الغد؛ لأن الفكرة في الرأي قد تتأخر، ولو بشرط إن لم يأت المبتاع بالمبيع قبل غروب الشمس آخر أيام الخيار لزم البيع امتنع؛ لأنه قد يعوقه مرض أو سلطان فيلزم البيع بغير رضا، قال ابن يونس‏:‏ قال ابن القاسم‏:‏ ويفسخ وإن فات الأجل الذي يجب به البيع، وقيل‏:‏ هذا محمول على اختلاف قول مالك فيمن شرط إن لم يأت بالثمن إلى أجل كذا فلا بيع بيننا، ولأنه يفسخ، وإن سقط الشرط على الخلاف، وقيل الفرق‏:‏ أن البيع هاهنا لم يتم وهناك فسقط الشرط‏.‏ قال‏:‏ والصواب عدم الفرق، قال أشهب‏:‏ إن مضت الثلاث بلياليها فلا رد له، وإن رد قبل غروب الشمس من آخرها فله الرد‏.‏

فرع‏:‏

في الكتاب‏:‏ إذا جن البائع أو المشتري في أيام الخيار نظر له السلطان في الإجازة والرد؛ لأنه ولي العاجزين، قال اللخمي‏:‏ اختلف في المشتري، وعن ابن القاسم‏:‏ ليس للسلطان ذلك في المشتري بل إن تطاول الإغماء، ورأى السلطان ذلك ضررا فسخ لعدم تعيين غرضه في البيع، وقال أشهب‏:‏ له أن يأخذ له في أيام الخيار وليس له بعدها إلا الرد، قال‏:‏ والقول بالأخذ أحسن؛ لأنه ما عقد إلا وله غرض في البيع، وإن كان الخيار ثلاثة أيام فاستفاق بعد يومين استأنفها؛ لأنه اشتراها على الفكرة ثلاثة، ولا يوجد للمفقود عند ابن القاسم، ويوجد له على قول أشهب في الثلاثة الأيام قياسا على المعنى‏.‏

فرع‏:‏

قال اللخمي‏:‏ وإذا مات قام ورثته مقامه، وقاله ‏(‏ش‏)‏ خلافا لـ ‏(‏ح‏)‏ وابن حنبل، قال الطرطوشي في تعليقه‏:‏ وكذلك خيار الشفعة والتعيين إذا اشترى عبدا من أعبد، وخيار الوصية إذا مات الموصي له بعد موت الموصي، وخيار الإقالة والقبول إذا أوجب البيع لزيد فلورثته خيار القبول أو الرد، وقال محمد‏:‏ إذا قال من جاءني بعشرة فغلامي له‏.‏

فمتى جاءه أحد بذلك إلى الشهرين لزمه وخيار الهبة، وحكي فيه تردد، ومنح ‏(‏ح‏)‏ خيار الشفعة، وسلم خيار الرد بالعيب، وخيار تعدي الصفة وحق القصاص وحق الرهن وحبس المبين، وخيار ما وجد من أموال المسلمين في الغنيمة فمات ربه قبل أن يختار أخذه بعد القسمة، وسلمنا له خيار الهبة في الأب للابن بالإعتصار، وخيار العنة واللعان، والكتابة، والطلاق بأن يقول‏:‏ له طلق امرأتي متى شئت فيموت المقول له، وسلم الشافعي جميع ما سلمنا، وسلم خيار الإقالة والقبول، والمسألة غامضة المأخذ، ومدارها على أن عندنا صفة للعقد فينتقل مع العقد، وعنده صفة للعاقد؛ لأنه مسببه، واختياره يبطل بموته كما تبطل سائر صفاته، والحقوق عندنا تنتقل كالأموال بالإرث إلا أن يمنع مانع، وعنده الأموال تورث والحقوق لا تورث إلا لعارض؛ لقوله عليه السلام‏:‏ ‏(‏من ترك مالا فلورثته‏)‏ ولم يقل حقا؛ لأن الأجل في الثمن لا يورث، فكذلك الخيار، ولأن البائع رضي بخيار واحد وأنتم تثبتونه لجماعة لم يرضى بهم‏.‏ فوجب أن لا يتعدى المشترط خياره كما لا يتعدى الأجل المشترط، والجواب عن الأول‏:‏ المعارضة؛ لقوله تعالى‏:‏ ‏(‏ولكم نصف ما ترك أزواجكم‏)‏ وهو عام في الحقوق، والتنصيص في الحديث على المال لا ينافي غيره؛ لأن العام لا يخص بذكر بعضه على الصحيح، وعن الثاني‏:‏ أن الأجل حقيقته تأخير المطالبة، والوارث لم يتعلق في حسه مطالبه، بل هو صفة للدين لا جرم لما انتقل الدين لوارث زيد انتقل مؤجلا، وكذلك ها هنا تنتقل الصفة لمن انتقل إليه الموصوف، فهذا لنا لا علينا، وعن الثالث‏:‏ أنه يبطل خيار التعيين ويشترط الخيار للأجنبي، وقد أثبتوه للوارث، وبما إذا جن فإنه ينتقل للولي ولم يرض به البائع‏.‏

تفريع‏:‏ قال اللخمي‏:‏ فإن ترك ولدين واختلفا، وكان موروثهما المشتري خير البائع بين امضاء قبول نصف الرد، ويمضي لمن تمسك، أو يقول لمن قيل‏:‏ إما ان تأخذ الجميع أو تترك، أو يقيل نصف من رد، ويرد نصيب من قبل نفيا لتفريق الصفقة‏.‏ قال أشهب هذا القياس، والاستحسان‏:‏ أن لمن قبل أخذ نصيب من رد أكره البائع للتبغيض؛ لأنه يقول أنا أرفع عنك ضرر التفريق، وإن كان الموروث البائع كان يختار الرد على نصيبه، ويخير المشتري في قبول نصيب من أمضى، وليس الوارث إذا أراد أخذ نصيب مخير، ولا المشترى أخذ نصيب الراد، والقياس والاستحسان‏:‏ التسوية بين البائع والمشتري، فإن كان الوارث مولى عليه نظر وصية، فإن كانا وصيين، واختلف نظر السلطان في أخذ الجميع أورده، فإن كان وصيا وكبيرا، واختلفا ورد الوصي ارتد نصيبه، ومقال البائع مع الكبير، فإن أخذ الوصي كان مقال البائع مع الوصي كما تقدم في الكبير والوصيان مع الكبير كالكبيرين، فإن اختلف الوصيان نظر السلطان فرد الجميع، أو يأخذ نصيب الصغير، ويكون المقال بيد البالغ والوصيين، وكذلك إذا مات البائع، وخلف صغارا وكبارا فإن كان الميت مديانا، واتفق الغرماء والورثة فما اتفقوا عليه فإن اختلفوا أو فيه فضل كان للغرماء الأخذ، وإن لم يكن فضل سقط مقالهم، والمقال للورثة‏:‏ وهذه الفروع كلها في الكتاب، قال ابن يونس‏:‏ الفرق عند ابن القاسم بين الإغماء فلا ينتظر السلطان، وبين الغيبة فينتظر أن الغالب قرب زوال الإغماء يطول كالصبا والجنون، قال ابن القاسم‏:‏ إذا طبق المجنون نظر السلطان‏.‏

فرع‏:‏

في الكتاب‏:‏ إذا اشترى المكاتب شيئا بالخيار فعجز فذلك لسيده‏.‏

فرع‏:‏

قال‏:‏ إذا كان الخيار للمتبايعين جميعا لم يتم البيع إلا باجتماعهما، وإذا اشترى رجلان سلعة فالخيار لكل واحد منهما الرد، والإمضاء لمالك أمر نفسه‏.‏

فرع‏:‏

ينقذ رد من له الخيار وامضاؤه من المتبايعين، وإن غاب الآخر إذا أشهد، وقال ‏(‏ش‏)‏ وابن حنبل، وقال ‏(‏ح‏)‏‏:‏ لا يصح إلا بحضرة الآخر؛ لأنه نوع من المعاملة وتقرير ملك فلا يستقل به أحدهما كأصل البيع، لنا‏:‏ أنه رفع لمقتضى العقد يستقل به كالطلاق وإن كان فسخا، وإن كان إمضاء‏:‏ فالعقد قد حصل فيه الرضا فلا معنى لحضوره‏.‏

فرع‏:‏

قال‏:‏ الهبة والكتابة والتدبير والعتق والإجارة والرهن والتصدق والوطء والتقبيل والمباشرة من المبتاع رضا، ومن البائع رد‏.‏ وإذا طلب المبتاع أوردها أو عربها أو سافر عليه فهو رضا إلا الركوب اليسير للاختبار‏.‏

وتجريد الجارية للتلذذ وللتقليب ليس برضا، وتجريد الفرج رضا؛ لأنه لا يجرد في الشراء، قال ابن يونس‏:‏ قال ابن حبيب‏:‏ كشف فرجها ومس بطنها أو بدنها أو خضبها بالحناء، وظفر رأسها رضا؛ لأن ذلك لا يحتاج في الاختبار، ولا يتصرف الإنسان إلا في ملكه‏.‏

فائدة‏:‏ في التنبيهات‏:‏ تعريب الدابة كي ساقيها بعين مهملة، في تهذيب الطالب‏:‏ قال ابن القاسم‏:‏ حلق رأس العبد ووحجامته رضا، وإذا وهبه لابنه الصغير ليس بفوت لقدرته على الانتزاع، قاله ابن الكاتب، وقال ابن حبيب‏:‏ فوت، قال اللخمي‏:‏ إذا ركب واستخدم وكان الخيار لغير الاختبار، ويعد ذلك لم يعد رضا‏.‏

وفي الكتاب‏:‏ تزويج العبد أو الأمة وضربه وجعله في صناعة أو في الكتاب، والمساومة للبيع، وكراء الدار والدابة، والجناية عمدا كله رضا، وله الرد في الجناية خطأ مع الأرش‏.‏ ولم يرا شهب الإجارة والرهن والسوم والجناية وإسلامه للصنعة والتزويج رضا، منشأ الخلاف هل ينظر إلى أن الإنسان لا يتصرف إلا في ملك نفسه عادة، أو ينظر إلى أنه يحتمل أنه فعل هذه الأشياء لتوقع الرضا فلا ينتقل الملك بالشك‏؟‏ وعن مالك‏:‏ البيع ليس رضا، ولرب السلعة الإجازة وأخذ الثمن، وله النقص، قال ابن يونس‏:‏ إن كانت الجناية عيباً مفسداً ضمن الثمن كله كما لو أكل الطعام، قال سحنون‏:‏ بل يضمن القيمة في العمد والخطأ في العيب المفسد؛ لأنهما جناية على مال الغير، وفي غير المفسد يختلف في الخطأ، ويردها وما نقصها، ويلزمه في العمد، قال ابن الكاتب‏:‏ إذا جنى المشتري خطأ، والخيار له فاختار الإمساك غرم ما نقصها عن الثمن الذي اشتراها به لوجوبه للبائع قبل الاختيار، وعلى قول أشهب‏:‏ إن تلك الأمور التي عدتها لا تكون رضا لا بد أن يحلف، وإنما خالف في تزويج العبد وأما الأمة فرضا عند ابن القاسم وأشهب؛ لأنه تصرف بالولاية والملك، والعبد يكفي فيه الإذن، ولأن العبد له حق النكاح بخلاف لامه وتحرم الأمه على السيد بوطئ الزوج إلا بعد الاستبراء بالحلف العبد، ولأنه يقول في العبد‏:‏ فعلته نظرا للبائع، فإن أحبه، وإلا فسخه، وطرح سحنون من قوله في الكتاب‏:‏ إن البائع مخير إذا باع المشتري في زمن الخيار، وقال أيضا‏:‏ الربح للبائع؛ لأنها كانت من ضمانه، قال‏:‏ وهو الصواب؛ لأنه يتهم في البيع قبل الاختبار، وهو في ضمان البائع بالربح له، فإن قال‏:‏ بعت ان اخترت صرفه ابن حبيب مع يمينه إن كذبه صاحبه بعلم يدعيه، وله الربح، وإن قال‏:‏ بعت قبل الاختبار فالربح للبائع عند مالك وأصحابه، قال اللخمي‏:‏ إن فات بها المشتري كان للبائع الأكثر من الثمن الأول؛ لأن له الإجازة، أو الثمن الثاني؛ لأن له إمضاء البيع والقيمة؛ لأن له أخذه بالتعدي، وإن كان الخيار للمشتري وباع البائع خير المشتري بين فسخ البيع عن نفسه أو القبول، ويكون له الأكثر من الثمن أو القيمة في البيع الثاني، قال ابن يونس‏:‏ والتسويق بالسلعة ممن له الخيار رضا إلا أن يدعي اختبار الثمن‏.‏

فرع‏:‏

في الكتاب‏:‏ إذا رأى الكتاب أو الثياب أو الرقيق أو الغنم وصمت حتى رأى آخرها فلم يرضها فذلك له؛ لأن الرضا يتوقف على معرفة الجملة فلو كانت حنطة فنظر بعضها فرضيه، ثم نظر باقيها فلم يرضه، وهو على صفة ما رضي لزمه الجميع أو مخالفا فله رد الجميع إن كان الاختلاف كثيرا لتفي تفريق الصفقة، وليس له أخذ ما رضيه بحصته إلا أن يرضى البائع ولا للبائع إلزامه ذلك إذا كان المخالف كثيرا، وكذلك كل ما يكال أو يوزن، قال صاحب التنبيهات‏:‏ يسكت عن المخالف واليسير، وفي بعض النسخ اليسير لازم للمشتري، وفيه اختلاف، وعن ابن القاسم‏:‏ يخير المشتري بين أخذ الجميع ورد الجميع كان المخالف قليلا أو كثيرا‏.‏

فرع‏:‏

قال اللخمي‏:‏ البناء والغرس رضا من المشتري، ورد من البائع فإن فعله من ليس له الخيار - وهو المشتري - وأمضى له البيع مضى ورد كان له قيمة ذلك منقوضا؛ لأنه بغير إذن قاله سحنون، وهو للبائع، وقيل‏:‏ للمشتري فعلى قول سحنون يدفع للبائع قيمته منقوضا؛ لأنه رأى فعل ذلك في ملكه وهو متعد على المشتري‏.‏

فرع‏:‏

في الجواهر‏:‏ إذا باع عبدا بالخيار بأمة ثم اعتقها معا في مدة الخيار تعين العتق في الأمة؛ لأنها على ملكه، ويلزم من عتقها رد العبد، ولا ينفذ عتقه، قال اللخمي‏:‏ إذا أعتق العبد نفذ عتقه؛ لأنه رد لبيعه وترد الأمة لبائعها، وإن أعتقهما معا مضى عتقه في عبده وكانت الأمة لبائعها؛ لأن عتقه لعبده رد لبيعه فكأنه قال‏:‏ أرد البيع في عبدي، وآخذ الأمة وذلك غير لازم لبائعها، وهذا مناقض لنقل الجواهر فتأمل قال‏:‏ وإن أعتق بائع الأمة والخيار لبائع العبد، كان العبد كان عتقه موفوفاً إن رد البيع عتقت، وإلا فلا‏.‏

النظر الثالث فيما يجد في مدة الخيار من غلبة وجناية وغيرهما

وفي الكتاب‏:‏ إذا اشترى عبدا بعبد بالخيار وتقابضا فمصيبة كل عبد من بائعه؛ لأنه باق على ملكه، وكذلك الدابة ويرد الثمن إن قبضه، وإن كان الخيار للمشتري فأعتق البائع وقف العتق إن رد المشتري نفذ العتق كإعتاق المخدم سنة أو المؤاجر، فإذا تمت السنة عتق، قال اللخمي‏:‏ فإن أعتق المشتري والخيار للبائع فرد البائع سقط العتق وأمضي، لا يلزم المشتري؛ لأنه فإن أعتق في غير ملكه ولا ضمانة، والفرق بينه وبين البيع الفاسد‏:‏ أن البائع ثمة سلطه على التصرف ولم يسلطه هاهنا، ويصح أن يقال‏:‏ يلزمه على قول ابن حبيب فيمن اشترى عبدا بالخيار وجنى عليه، قيل‏:‏ إن الجناية له كأنه لم يزل له‏.‏

فرع‏:‏

قال اللخمي‏:‏ قال مالك‏:‏ إذا وطئها من لا خيار له فولدت واختارها الآخر فهي له دون من لا خيار له، والولد للواطئ بالقيمة؛ لأنه وطئ بشبهة ويدرأ الحد، وترد الأمة، وإن كان الخيار للمشتري فوطئها كان رضا، فإن كانت من العلي وأقر البائع بوطئها وقفت للاستبراء، فإن تبين عدم الحمل دفع الثمن، أو الحمل ووضعت لستة أشهر فأكثر دعي القافة، فإن هلكت قبل ظهور الحمل ضمن البائع؛ لأنها على ملكه، ويختلف إذا هلكت في يد المشتري قبل الوقف هل من البائع أو من المشتري‏؟‏ قال ابن يونس‏:‏ إذا هلكت الدابة في اختيارها أو السيف أو الفرس لا ضمان على المشتري؛ لأنه فعل مأذون فيه، قاله ابن القاسم‏.‏

فرع‏:‏

قال ابن يونس‏:‏ فإن تنازعا في زمن الهلاك هل في المدة أو بعدها صدق البايع‏؟‏ لأن المبتاع يطلب نقض البيع، وقد انقضت مدة الخيار، والأصل‏:‏ اللزوم بعدها فأما لو قال المبتاع‏:‏ ينقض صدق؛ لأن البائع يرتد تضمينه‏.‏

فرع‏:‏

في الكتاب‏:‏ إذا ماتت أو تعبت فمن البائع، قبضها المبتاع أم لا، كان الخيار للبائع أو المشتري، ويخير بين أخذها معيبة بجميع الثمن أوردها، وكذلك إن ظهر فيها عيب قديم مع حدوث العيب في مدة الخيار؛ لأن الجميع من البائع، وإن حدث في زمن الخيار عيب وبعد قبضها واشتراها عيب وذكر البائع بعيب فإن حبسها رجع بحصة عيب التدليس، وإن ردها رد ما نقصها العيب الحادث عنده، ولا ينظر أحد إلى الحادث في زمن الخيار، قال اللخمي‏:‏ إذا حدث عيب في زمن الخيار ووجد عيبا قديما وأحب التمسك والرجوع بالعيب القديم قوم بعيب الخيار، وقوم بالعيب الذي لم يعلم به، وحط ما ينوبه من الثمن والقيمتان يوم القبول؛ لأنه حينئذ ضمن، وإن أحب الرد بثلاث قيم العيوب الثلاثة فما حطت قيمته بالعيب الثالث عن القيمتين حط من الثمن بقدره ورجع بالباقي، فإن كان المبيع فاسدا أو حدث عيبه في أيام الخيار فرضيه ثم ظهر عيب قديم قوم قيمة واحدة بالعيبين يوم القبول لسقوط الثمن بفساده ولعدم قيمة يوم القبض، ولذلك إذا حدث عنده عيب مفسد، وأحب التمسك فقيمة واحدة، وإن تغير سوقة بعد القبض فليس فوتا في العيب وله الرجوع، قال سحنون‏:‏

ويقوم عليه معيبا، وقال محمد‏:‏ سلما؛ لأنه قد ملك الرد‏.‏

قاعدة‏:‏ أسباب الضمان ثلاثة‏:‏ الإتلاف نحو قتل الحيوان أو التسبب للإتلاف نحو حفر بئر ليقع فيه إنسان، أو وضع اليد غير المؤمنة بقبض المشتري للمبيع بيعا فاسدا والغاصب، وهذه الأسباب منفية في بيع الخيار في حق المشتري إذا أصيب المبيع بأمر سماوي وعليها تتخرج فروع الضمان وعدمه وهو متفق عليها، وإنما يختلف العلماء في هذا الباب وغيره؛ لاجتماع شائبة الأمانة معها فيختلفون أيهما يغلب، وإلا فلا خروج عليها في ذلك، قال ابن يونس‏:‏ وما قبضه مما لا يغاب عليه، أو أقامت بهلاكه بينة فلا ضمان لعدم التعدي وهو كالمرتهن والمستعير، وإلا فهو ضامن كالمرتهن والمستعير؛ لأنه ليس بأمين‏.‏

نظائر‏:‏ قال العبدي‏:‏ يسقط الضمان بالبينة في ست مسائل‏:‏ عارية ما يغاب عليه، والمبيع بالخيار إذا كان يغاب عليه، ونفقة الولد عند الحاضنة، والصداق إذا كان يغاب عليه، وادعت المرأة تلفه، ووقعت في الشركة بالطلاق، والمقسوم من الشركة بين الورثة ثم انتقضت القسمة بالدين أو بالغلط وقد تلف وهو يغاب عليه‏.‏

فرع‏:‏

في الكتاب‏:‏ إذا جنى عليها أجنبي فللمبتاع ردها، وللبائع طلب الأجنبي، قال اللخمي‏:‏ الجناية إما من البائع، أو المشتري أو أجنبي، أو من غير آدمي فإن قتله البائع انفسخ البيع ولا شيء للمشتري؛ لأن المبيع معين هلك، أو عمدا فللمشتري فضل القيمة؛ لأن التوفية حق له، ولم يوفه، وإن كانت الجناية في دون النفس خطأ خير المشتري بينه معيبا بغير أرش أو الترك إذ لا ضرر عليه، أو عمدا لكان له أخذه وقيمة العيب، ويدفع الثمن، وإن جنى المشتري خطأ جناية بيده، قال ابن القاسم‏:‏ خير بين التمسك والرد ونقص الجناية، وإن أفسده ضمن الثمن كله، وعلى هذا إن قتله غرم الثمن، وقال سحنون‏:‏ القيمة، قال‏:‏ وهو أحسن؛ لأن الثمن في الخيار لم يثبت، وليس بمنزلة من استهلك سلعة وقفت على الثمن، وقال ابن القاسم‏:‏ جناية العبد رضا، وقال أشهب‏:‏ لا تكون رضا؛ لأنه قد يفعله غضبا، وعلى الأول يستوي القليل والكثير ويعتق إن كان مثله، وإن جنى اجنبي استوى العمد والخطأ ويفسخ البيع في القتل كفوات المبيع المعين، والقيمة للبائع قلت أو كثرت؛ لأنه على ملكه ويأخذ جناية دون النفس، ويخير المشتري بين القبول بجميع الثمن أو الرد، وقال ابن حبيب‏:‏ إن رضيه المشترى كانت له الجناية إذا جنى الأجنبي كأنه لم يزل منعقدا، وفي الجواهر‏:‏ هذا إذا كان الخيار للبائع فإن كان للمشتري وجنى البائع عمدا فتلف المبيع ضمن للمشتري الأكثر من الثمن أو القيمة؛ لأن له الأخذ بالتعدي، وإن لم يتلف كان للمشتري أن يغرم البائع قيمة الجناية ويأخذه معيبا، وإن كانت الجناية خطأ وأتت على النفس أو دونها، خير المشتري بين أخذه ناقصا، ولا شيء له أو الرد، فإن كانت الجناية من المشتري والخيار للبائع عمدا أو خطأ خير البائع بين أخذه بحكم الغرامة وامضاء البيع؛ لأن الخيار له، والخيار للمشتري فإن جنى عمدا فقد تقدم الخلاف، فإن كان عيبا مفسدا ضمن الثمن كله، وقال سحنون‏:‏ بل القيمة، وأجرى ابن محرز هذا الخلاف على الخلاف فيمن استهلك سلعة وقفت على ثمن هل يضمن ثمنها أو قيمتها‏.‏

فرع‏:‏

في الجواهر‏:‏ الغلة أيام الخيار للبائع بالضمان فإن اشترى كبشا وعليه صوف فأمضي البيع فالصوف للمبتاع؛ لأنه مشتري، وإن ولدت في مدة الخيار وفسخ البيع رجع مع أمه للبائع، وإن أمضى فهل يتبع الا كالخراج لا كالغلة واللبن، قولان لابن القاسم وأشهب، فعلى قول أشهب‏:‏ يحصل تفرقة بين الأم والولد، فهل يفسخ البيع أو يخيران على الجمع‏؟‏ قولان نظرا إلى أن هذه التفرقة أوجبتها الأحكام، أو هي كالمدخول عليها، وإذا قلنا بالجمع فهل في حوز أو ملك‏؟‏ قولان قال أبو الطاهر‏:‏ والأصل جمع الملك، وقد اعترض فضل بن سلمة هذه المسألة وقال‏:‏ إنما أجازها ابن القاسم وأشهب، وإن أشرفت على الولادة؛ لأن البالغ لم يخير المشتري بذلك، ولو أخبره لكان البيع فاسدا، وحكي الفساد إذا جاوزت ستة أشهر عن عبد الملك، قال ابن محرز‏:‏ وما قاله غير صحيح؛ لأن المشهور أن علم أحد المتبايعين بالفساد يفسد البيع، ولأن المسألة مبنية على أن المريض والحامل، وإن بلغا إلى حد الخوف لا يمتنع بيعهما إلا أن يكون في السياق، قال أبو الطاهر‏:‏ انتج قوله وقول فضل الخلاف في علم أحد المتبايعين بالفساد، وفي المريض إذا لم يبلغ السياق، ويمكن بناء المسألة على كلا الأصلين، قال صاحب التنبيهات‏:‏ والعذر - عندي - أن البيع وقع في آخر‏.‏

السادس‏:‏ ووضعت في أول السابع لا سيما على رواية ابن وهب وخيار الشهر في الرقيق، وقد يجهل الحمل البائع والمشتري، وقال ابن يونس‏:‏ قال محمد‏:‏ المبتاع رد العبد قتل عمدا أو خطأ وإن أسلمه للجناية، وثمنه أكثر منها فللمبتاع أن يفكه، ويكون للبائع بقية الثمن توفية بمقتضى العقد، وإن كان الخيار للبائع والجرح خطأ فهو على خياره، وله إلزامه المشتري، وله إسلامه للمجني عليه؛ لأن له نقض البيع وإبرامه، قال اللخمي‏:‏ يخير المبيع في أيام الخيار بالزيادة والنقصان للبائع وعليه؛ لأنها على ملكه، فإن كان الخيار له وحدث به عيب ثم أمضى البائع البيع كان للمشتري الرد بالعيب، وإن زاد زيادة على المعتاد والخيار للمشتري وقبله، كان للبائع منع إمضاء البيع فإن كان غنما فاحتلب لبنها وجز صوفها وولدت كان اللبن للبائع؛ لأنه غلة والصوف للمشتري لتناول العقد إياه، وقال ابن القاسم‏:‏ الولد للمشتري في أيام الخيار؛ لأنها لا تضع في أيام الخيار إلا وهي وقت العقد ظاهرة الحمل، وقال أشهب‏:‏ للبائع كالغلة، وهذا في الغنم والإماء الوخش، وأما العلي فللبائع مقال في الأم على رأي ابن القاسم، وإن كان الخيار للمشتري وقبل الأمة وولدها له إلا أن يقوم البائع بحقه في الأم؛ لأن الحمل عيب، وقد ذهب العيب في أيام الخيار، وكذلك إن أسقطته أو مات في العلي وقبلها المشتري فللبائع ردها لذهاب العيب، وعلى قول أشهب له مقال في الأم والولد فإن أسقط مقاله في ذهاب العيب، وعلى قول أشهب له فقال‏:‏ في الام والولد فإن أسقط مقاله في ذهاب العيب قبلها فلها دون الولد‏.‏

فرع‏:‏

في الكتاب‏:‏ إذا وهب للعبد مال، أو تصدق به عليه في مدة الخيار فللبائع، وعليه نفقته، وفي الجواهر‏:‏ قال أبو بكر بن عبد الرحمن‏:‏ إلا أن يكون للمشترى قد استثنى ماله بخلاف ما وهب للمرهون لا يدخل في الرهن، والفرق أن المشتري ملك العبد وماله، والمرتهن له حق إلا فيما جعل رهنا خاصة‏.‏

فرع‏:‏

في الكتاب‏:‏ إذا اشترى ثوبين فضاعا في أيام الخيار، ولم يتصدق لزماه بالثمن؛ لأن يده غير مؤمنة كان أكثر من القيمة أو أقل؛ لأن له امضاء البيع بالثمن فإن ضاع أحدهما لزمه بحصته، فإن اشترى أحدهما والآخر أخذه منهما فضاعا ضمن أحدهما، وهو في الآخر أمين، فإن ضاع أحدهما ضمن نصف ثمنه لدورانه بين الضمان وعدمه، وله أخذ الثاني ورده لدورانه بين المبيع وغيره‏.‏

وهو يستحق بالعقد ثوبا، وكذلك إذا قبض ثلاثة دنانير ليختار منها ثوبا دينارا كان له دينار فتلف اثنان كان شريكا، قال أشهب‏:‏ لو كان بدل الثوبين عبدين فللهلاك من البائع وللمبتاع أخذ الباقي؛ لأنهما لا يغاب عليهما، قال ابن القاسم‏:‏ للمبتاع أخذ الثوبين بالثمن الذي سمى فيما قرب من أيام الخيار وينقص البيع إلا أن يكون أشهد أنه اختار في أيام الخيار أو ما قرب؛ لأنه بعد أيام الخيار مدع فإن أشهد فهو أمين في الباقي، وهلاكه من بائعه، قال ابن يونس‏:‏ قال بعض القرويين‏:‏ إن كان الهالك وجه الصفقة لزماه جميعا كضياع الجميع ويتهم على تغييبه، والعبدان أو الثوبان على أن يختار أحدهما بثمن واحد، أما لو قال هذا بعشرة وهذا بخمسة امتنع؛ لأنه بيعتان في بيعة إلا أن يكون على غير الإلزام، بل بالخيار فيجوز لنفي التزام الغرر، وأجازه ابن أبي سلمة على الإلزام إذا استوى زنة أفراد الدراهم، وكأنه أخذ الذي بعشرة ثم رده‏.‏ وأخذ الذي بخمسة ووضع عند خمسة فصارت خمسة وثوب بثوب العشرة‏.‏

ولو اختلف وزن بالدراهم هذه ناقصة وهذه وازنة امتنع عند الجميع لتحقيق الربا بين القصتين، وفي كتاب محمد‏:‏ إذا اشترى ثوبا من ثوبين من جنس واحد والثمن واحد فهلك أحدهما بيد المبتاع في الخيار، أو دخله عيب فهو بينهما وعليه ثمن نصف كل ثوب لاختلاط الأمانة فصار من باب التداعي، فإن اختلف الثمن وألزم نفسه أحدهما على الوجوب امتنع، ويضمن نصف قيمتها إن هلكا أو نصف قيمة أحدهما إن هلك، ويرد الباقي إن لم يفت لفساد العقد، فإن فات فهو بينهما وعليه نصف قيمته، قال اللخمي‏:‏ قال ابن كنانة‏:‏ الضمان من مشترط الخيار فإن أفات المشتري الثوب والخيار للبائع لم يضمن؛ لأن المشتري قصد أخذه بغير خيار، فامتنع البائع ووقفه بخيار نفسه ومنفعته، وصار قاصدا الإئتمان، وإن بقي بيد البائع والخيار للمشري ضمنه البائع على القول المشهور، وقول ابن كنانة فإن قال المشتري‏:‏ أنا أقبله فعلى قول ابن القاسم يحلف البائع‏:‏ لقد ضاع ويبرأ، وعلى قول أشهب يحلف ويغرم فضل القيمة على الثمن، فإن ضاع عند المشتري والخيار له، قال ابن القاسم‏:‏ يغرم الثمن بغير يمين، وكذلك إن كان الخيار وقيمته أقل من الثمن، وإن كانت أكثر حلفاً لقد ضاع وغرم الثمن، فإن نكل غرم القيمة، قال أشهب‏:‏ إن كان الخيار للمشتري غرم الأول من القيمة والثمن، فإن كان الثمن أقل غرمه بغير يمين؛ لأنه كان له أن يقيله، وإن كانت القيمة أقل غرمها بعد اليمين فإن نكل عن اليمين فإن كان الخيار للبائع غرم الأكثر من الثمن أو القيمة، فإن كان الثمن أكثر وقال‏:‏ أنا أجيز البيع أو القيمة أكثر قال‏:‏ لا أجيزه وأخذ القيمة، وأما الثوبان‏:‏ ففيهما أربع صور‏:‏

الصورة الأولى‏:‏ أن يخير العقد والتعيين معا بأن يأخذهما اختار أحدهما أو يردهما فيدعي ضياعهما فأربعة أقوال‏:‏ يضمن أحدهما بالثمن عند ابن القاسم؛ لأنه مقتضى العقد، والآخر بالقيمة؛ لأنه غير مبيع، وأحدهما بالقيمة والآخر بالأقل من الثمن أو القيمة عند أشهب؛ لأن له رد البيع، وعن ابن القاسم‏:‏ إن تطوع البائع وقال‏:‏ اختر واحد منهما ضمن واحد؛ لأنه جعله منافي الآخر، وإن سأل ذلك المشتري وضمنها لعدم الأمانة فيهما، وعند ابن حبيب‏:‏ يضمنهما بالثمن؛ لأنه ينتقل بالخيار من ملك إلى هذا، فإن باع أحدهما ضمن نصف ثمن التالف عند ابن القاسم، ويخير في الباقي؛ لأن له ثوبا بالعقد لم يصل إليه، وقال محمد‏:‏ ليس له أن يختار إلا نصف الباقي؛ لأنه لم يبعه ثوبا ونصفا، وفي الجواهر‏:‏ إذا ادعى ضياع أحدهما جرى على الخلاف المتقدم، فعلى قول ابن القاسم‏:‏ يضمن نصف ثمن التالف لتردده بين المبيع فيلزم الثمن أو الأمانة فلا يلزمه شيء، وعلى قول أشهب‏:‏ يضمن الضائع كله؛ لأنه يضمنهما جميعا إذا ضاعا، وقال أشهب أيضا‏:‏ إذا أخذ الثاني كان عليه بالثمن والتالف بالقيمة، وإن رده فعليه التالف بالأقل من الثمن أو القيمة، وإذا فرعنا على قول ابن القاسم‏:‏ فله أن يختار كل الباقي، وقال محمد‏:‏ ليس له أن يختار إلا نصفه، وسبب القولين تغليب حكم التلف أو الإمتثال‏.‏

الصورة الثانية‏:‏ بخير في التعيين دون العقد فأخذهما لازم، ويرد الآخر، ففي الجواهر‏:‏ يخير على الخلاف المتقدم فعلى قول ابن القاسم‏:‏ يضمن واحدا، وعلى قول أشهب وابن حبيب‏:‏ يضمن الاثنين، وعلى قول ابن القاسم الآخر‏:‏ يضمن الراغب منهما في الخيار، فإن شهدت البينة بالضياع فلابد من ضمان واحد؛ لأنه لازم للمبتاع، ويختلف في الثاني‏:‏ فعلى قول ابن القاسم‏:‏ لا ضمان فيه، وعلى أصل أشهب‏:‏ أن ما أخذ على الضمان لا يرتفع ضمانه بالبينة، فإن ضاع أحدهما فقولان‏:‏ التألف بينهما، والسالم بينهما، وعليه نصف ثمنهما، والقول الثاني يلزمه نصف التالف، وله رد الثاني بمثل ما إذا كان بالخيار في العقد والتعيين‏.‏

الصورة الثالثة‏:‏ أن يكون مخيرا في أحدهما في العقد والتعيين، وفي الآخر في التعيين دون العقد بأن يلزمه أحد الثوبين بغير عينه، وهو بالخيار في الآخر، قال اللخمي‏:‏ إن ضاعا ضمنهما اتفاقا إلا أن تشهد البينة بالضياع فلا ضمان عند ابن القاسم في أحدهما؛ لأنه أمين عنده فيه، ويضمنها عند أشهب، وعلى القول الآخر‏:‏ لا ضمان عليه فيهما؛ لأن أحدهما على ملك صاحبه، والآخر كان له رده، وإن ضاع أحدهما ضمن إلا أن تقوم بينة ويلزمه نصف الباقي، ويكون بالخيار في النصف الثاني، وعلى القول الآخر‏:‏ له رده جميعه بنصفه؛ لأنه كان له رده والنصف الآخر لعيب الشركة، وعلى قول سحنون‏:‏ لا شيء عليه في التالف لضياعه على ملك ربه‏.‏

الصورة الرابعة‏:‏ أن يكون بالخيار فيهما في العقد فيأخذهما، أو يردهما فيضمنهما إلا أن تشهد البينة، فإن ادعى ضياع أحدهما ضمنه عند ابن القاسم بالثمن، وله رد الآخر بنصيبه من الثمن، وعلى قول أشهب‏:‏ له رد الباقي ويغرم قيمة التالف أو يمسك ويغرم ثمنهما‏.‏

قال صاحب النكت‏:‏ إذا كان أحدهما على الإيجاب وذهبت أيام الخيار وتباعدت لزمه نصف ثوب كانا بيده، أو بيد البائع له، وإن كان على غير الإيجاب لم يكن له شيء منهما كانا بيده أو بيد البائع له، وإن كان على غير الإيجاب لم يكن له شيء منهما كانا بيده أو بيد البائع، والفرق‏:‏ أن في مسألة الثوب وقع البيع في متعين نقصان الأمر يلزم، وفي مسألة الثوبين وقع على غير معين فلن يعلم أيهما يختاره فاختياره بعد مدة الخيار اختيار بعد المدة، وقال بعض شيوخنا في مسألة الدنانير معناها‏:‏ أن التلف لا يعلم إلا بقوله، وليس بصحيح على ما يقدر في مسألة الثوبين إذا كان أحدهما على الإيجاب أنه يضمن، وإن قامت البينة قال صاحب التنبيهات‏:‏ لو أخذ الدنانير لوازنها إن كان فيها وازن أخذه لم يضمن منها شيئا؛ لأنه أمين، أو لتكون رهنا ضمن، وقال ابن حبيب‏:‏ الدينار الواجب من حامل الدنانير إذا لم يشك أن فيها وازنا، أما إن جهل ذلك فيرجع عليه بدينار بعد حلفه ما وزنها إلا أن تكثر الدنانير، ويعلم أن مثلها لا يخلو من الوازن، وقال بعض القرويين في الثوبين يختارهما جميعا أو يردهما‏:‏ إن كان الهالك أفضلهما أتهم في تغييبه فيلزماه، كما لو ضاعا، وفي الثوبين يختار أحدهما إذا قال بعد هلاك أحدهما‏:‏ هلك بعد اختياري هذا الثاني، فقي كتاب محمد‏:‏ يصدق، وفي المدونة‏:‏ لا يصدق إلا أن تشهد البينة‏.‏

فرع‏:‏

في النكت‏:‏ ما ادعى ضياعه إذا اشترى على الخيار مما لا يغاب عليه، قال بعض القرويين‏:‏ لابد من يمينه كان متهما أم لا، وكذلك في العارية والإجارة بخلاف الوديعة؛ لأنه قبض لمنفعته، ونفع قبض الوديعة لربها إلا أن يتهم في الوديعة، قال صاحب البيان‏:‏ قال ابن القاسم‏:‏ إذا ادعى المشتري للعبد أو الحيوان بالخيار الهلاك عنده إن كان له جيران، ولم يعلموا ذلك ضمنه، وإلا صدق، وكذلك المرتهن للعبد ومشتريه للغير؛ لأنهم أمناء، وإنما يضمنون للتهمة، وقيل‏:‏ يكلفه البينة، وإن علمه الجيران؛ لأنه ضامن إذا لم يأت بالعدول‏.‏

وفي الكتاب‏:‏ ضمان ما لا يغاب عليه أو ثببت هلاكه ببينة مما يغاب عليه من البائع، وإن قبضه المبتاع، وإن لم يثبت ما يغاب عليه فمن المبتاع بالثمن، وكذلك إذا أفسد العقد باشتراط النقد ويرد النقد، قال صاحب البيان‏:‏ إذا اشترط الخيار لأربعة أشهر وقبض المشتري فمن البائع الضمان، وإنما يدخل المبيع الفاسد في ضمان المشتري بالقبض إذا لم يكن؛ لأن الضمان في بيع الخيار مع البائع، وفي الكتاب‏:‏ إذا اشترط بشرط فتغيبت في أيام الخيار، فعلم بها ورضيها، وحدث عيب آخر بعد أيام الخيار والقبض ودلس البائع بعيب آخر‏:‏ إن له حبسها، ووضع قدر غيب التدليس من قيمتها يوم القبض؛ لأنه بيع فاسد وجبت قيمته فهي كالثمن، أو يردها وما نقصها، ولو لم يحدث عنده عيب مفسد لكن تغيرت في سوقها، أو بدنها ردها بالعيب؛ لأن حوالة الأسواق لا تفيت العيب، وله حبسها بقيمتها يوم قبضها، قال صاحب التنبيهات‏:‏ اختلف الشيوخ هل يصح العقد بإسقاط النقد المشترط كالسلف أم لا‏؟‏

فرع‏:‏

قال ابن يونس‏:‏ إذا ابتاع ثوبين من رجلين على الخيار واختلطا وادعى كل واحد أجودهما لزمه الثمنان إذا اتفقا في الأثمان واختلفا في الثوبين، ولو قالا‏:‏ ثمن الأجود عشرة، وقال المشتري‏:‏ بل أحدهما كان بعشرة، والآخر بخمسة، ولا أدري من ثوبه بعشرة يحلفان، ويخير المشتري بين دفع العشرة لكل واحد وأخذ الثوبين، أو دفع الأجود لأحدهما، ودفع عشرة للآخر فإن ادعى حيث اتفقا على الثمن أنه يعرف ثوب كل واحد منهما صدق مع يمينه؛ لأنه غارم فإن نكل البائعان دفع المشتري الأرفع إليهما وترك الأدنى حتى يدعياه، قال ابن القاسم‏:‏ إن اختلف ثمن الثوبين وتداعيا الأعلى، فإن عين كل واحد ثوبه حلف وبرئ، وإن أشكل عليه تعينه لزماه فيدفع الأرفع لمن شاء ويغرم الآخر ما سمى له إن شاء الله، فإن جهل تعيينه ومن ثوبه الأعلى دفع لكل ولحد الثمن الأعلى بعد حلفهما أو حبس الثوبين؛ لأنه مفرط، قال اللخمي‏:‏ لو قطع أحدهما وجهل الثاني لأيهما ولم يعرفاه يخلفان أنه ليس لهما، ويغرم ثمن الثوبين، قال مالك‏:‏ فإن كان المقطوع الأعلى، ويشك لمن هو وكلاهما يدعيه، حلفا وغرم ثمنه وقيمته، وتكون القيمة والثمن بينهما إلا أن تزيد القيمة على ثمن الأعلى فيسقط الزائد لرضاهما بالثمن، فإن حلف أحدهما ونكل الآخر فللحالف الثمن، وللآخر الثوب المردود، فإن أنكر المقطوع والباقي لكل واحد ثمنه لتفريطه‏.‏

فرع‏:‏

في الكتاب‏:‏ إذا رده في مدة الخيار فقال البائع‏:‏ ليس هذا المبيع، صدق المبتاع مع يمينه، كان يغاب عليه أم لا، لأن الأصل‏:‏ عدم شغل ذمته‏.‏

فرع‏:‏

في الكتاب‏:‏ إذا ادعى المبتاع الإباق أو السرقة في مدة الخيار بموضع لا يجهل صدق مع يمينه فيما لا يغاب عليه، إلا أن يقوم ما يدل على كذبه، ولا يقبل الموت إلا ببينة؛ لأنه لا يخفى على أهل الموضع، وإن لم يعرف كذبه صدق مع يمينه‏.‏

فرع‏:‏

قال صاحب الخصال‏:‏ إذا باع قبل أن يختار فالربح للبائع الأول إلا ان يدعي البيع بعد الاختيار، وقيل‏:‏ يخير البائع بين إجازة البيع وأخذ الثمن، وبين رده؛ لأن المشتري باع بيع فضولي، قال الأبهري‏:‏ يحرم البيع حتى يختار؛ لنهيه عليه السلام عن بيع ما لم يضمن، فإذا أراد البيع أشهد على الاختيار‏.‏

النوع الثالث‏:‏ خيار التقيصة‏:‏

وهو الخيار الذي يثبت بفوات أمر مظنون نشأ الظن فيه من التزام شرطي، أو قضاء عرفي، أو تغدرير فعلي، أو خداع مالي، وهو ينقسم ثلاثة أقسام‏:‏

القسم الأول‏:‏ في نقيصة الشروط والعيوب والتغرير، ويتجه النظر في الأسباب المبينة والأحكام المرتبة والموانع المبطلة‏:‏

النظرالأول في الأسباب،

السبب الأول‏:‏ الشرط، وهو الأصل؛ لأنه تصريح، وما عداه ملحق به، تنزيلا للسان الحال منزلة لسان المقال، وفي الجواهر‏:‏ مهما شرط وصفا يتعلق بفواته نقصان مالية ثبت الخيار بفواته، وإن شرط ما لا غرض فيه، ولا مالية له لا يثبت الخيار لعدم الفائدة وإلغاء الشرط، وقال أبو الطاهر‏:‏ يخرج فيه خلاف من الخلاف في التزام الوفاء بشرط ما لا يفيد، وإن شرط ما فيه غرض ولا مالية فيه فقولان في الوفاء به، وأصله قوله عليه السلام‏:‏ ‏(‏المؤمنون عند شروطهم‏)‏‏.‏

فرع‏:‏

قال‏:‏ فإن ظهر المبيع أعلى مما اشترط فلا خيار للمشتري لحصول غرضه إلا أن يتعلق بشرطه غرض متجه، وقاله الشافعي خلافا لابن حنبل، قال اللخمي‏:‏ فإن كان مما تختلف فيه الأغراض فله الرد؛ لأن اختلافهما نقص في الحكمة، فإن شرط أنها مسلمة فوجدها نصرانية، أو لم يشترط فله الرد، إلا أن تكون من السبي؛ لأن الكفر نقص، وقاله ‏(‏ح‏)‏ لقوله تعالى‏:‏ ‏(‏ولعبد مؤمن خير من مشرك ولو أعجبكم‏)‏ وقال الشافعي وابن حنبل‏:‏ ليس بعيب؛ لأن عقد البيع يعتمد وصف المالية بدليل أن ما لا يتمول لا يصح بيعه، والإسلام لا يتمول فلا يتناوله العقد، فلا يجب به الرد، وجوابه الآية‏:‏ أن الأفضلية لا تقتضي النقص في الطرف الآخر، لقوله تعالى‏:‏ ‏(‏إن أكرمكم عند الله أتقاكم‏)‏

ومن ليس بأتقى ليس بناقص اجماعا، والجواب‏:‏ لا نسلم أن وصف الديانة غير متمول؛ لأن المتمول ما بذل العقلاء الثمن لأجله، لا يباع وحده بدليل الجمال أو النسب لا يباع وحده، وديانة تنقص، وإن شرط الكفر فوجدها مسلمة فلا رد؛ لعلو الإسلام، وقال محمد‏:‏ إلا أن يقول‏:‏ أردت زواجها من عبد نصراني لي، ويعلم ذلك، وإن شرط أنها نصرانية فوجدها يهودية، فله الرد إن كانت رغبة الناس إلى النصرانية أكثر‏.‏

فرع‏:‏

قال ابن يونس‏:‏ إذا اشترط العجمة أو من الجلب من من الرقيق فوجده فصيحا أو مولدا فله الرد؛ لرغية الناس في الأعجمي والمجلوب لينشأ على خلقهم قاله ابن القاسم، قال الأبهري‏:‏ إذا اشترط البكارة وقال‏:‏ لم أجدها ينظر النساء إليها، فإن رأين أثرا قريبا حلف البائع ولزمت المبتاع، وإن لم يرين شيئا قريبا حلف المبتاع وردها، فإن نكل حلف البائع ولزمت المبتاع، قال ابن يونس‏:‏ وعن ابن القاسم‏:‏ ليس فيها تحالف بل يلزم شهادة النساء بالإفتراع؛ لأنه يختص بهن‏.‏

فرع‏:‏

في الكتاب‏:‏ قال صاحب البيان‏:‏ إذا اشترط على البائع إن أبق فهو منه، كان العبد عرف بعيب الإباق أم لا‏.‏

فرع‏:‏

في الكتاب‏:‏ إذا اشترط في الحب الزراعة فلم ينبت، والبائع عالم أو شاك رجع بجميع الثمن؛ لأن البائع غره، والشراء في إبان الزراعة بثمن ما يزرع كالشرط، وإن اشتراه للأكل فزرعه بشيء، إلا أن يكون ذلك ينقص من طعمه أو فعله، فيرجع بقيمة النقص، ولو اشتراه للزراعة، قال ابن يونس‏:‏ فإن شارك بهذا غيره فنبتت زريعة الغير دونه، فإن دلس البائع رجع عينه بنصف المكيلة، ونصف كراء الأرض التي أبطل عليه، وإلا بنصف قيمة العيب، وما ينبت في الوجهين بينهما قاله أصبغ، وقال سحنون‏:‏ مثله إلا في الكواء سكت عند وزاد‏:‏ إن دلس دفع نصف المكيلة زريعة صحيحة، ودفع إليه شريكه نصف مكيلة لا تنبت، وهذا إذا زال الإبان، وإلا أخرج زريعة صحيحة‏.‏

فرع‏:‏

في البيان‏:‏ إذا نادى الذي يبيع الجارية في الميراث أنها تزعم أنها عذراء، أو غير ذلك ثم وجد خلاف ذلك له الرد، ولا ينفعهم إنها تزعم لأنهم لم يكذبوها، فهذا كالشرط‏.‏

فرع‏:‏

في الكتاب‏:‏ صدع الدار إن خيف منه سقوط ردت به، وإلا فلا، قال اللخمي‏:‏ قال محمد‏:‏ إذا لم يرد رجع بقيمة العيب، وكذلك كل عيب؛ لأن العيب في معنى جزء من المبيع يقر عند البائع، قال‏:‏ وأرى إن كان الصدع في حائط واحد لا يرد، وإن خشي السقوط؛ لأن استحقاق حائط واحد لا يوجب الرد فأولى العيب، وإن كان ذلك الحائط يلي دار البائع، وإن رد إليه انتفع به رده وحط من الثمن بقدره، قال صاحب التنبيهات‏:‏ وعن مالك الدار وغيرها سواء لا ترد بالعيب اليسير لاغتفار الناس ذلك غالبا، وعنه ترد الدور وغيرها من مطلق العيب؛ لأن الأصل استيفاء أجر المبيع وصفاته، وقال المخزومي‏:‏ إن نقص العيب ثلث القيمة رد، وإلا فلا وترد الدار بغور البئر وملوحة مائها في البلاد العذبة الماء، وكذلك كل ما شمل الدار ضرره بالاتفاق وبفساد مظاهرها وضعف أساسها وحيطانها، وأصل هذا الباب‏:‏ ما حط من الثمن كثيرا، واختلف فيه فقال ابن أبي زيد‏:‏ بعظم الثمن، وقال أبو بكر بن عبد الرحمن‏:‏ الثلث كثير، وقال ابن عتاب‏:‏ الربع كثير وهو نحو قول المخزومي، وقيل‏:‏ لا حد إلا وجود الضرر، وقال ابن العطار‏:‏ مثقالان قليل وعشرة كثيرة، وقال ابن رشيد‏:‏ عشرة من مائة كثير، قال صاحب النكت‏:‏ عيوب الدار ثلاثة أقسام‏:‏ عيب لا ترد الدار منه، ولا يرجع على البائع من أجله ليسارته، وعيب لا ترد منه، ويرجع بقيمته كصدع في حائط ونحوه، وعيب يرد منه ما يخشى منه سقوط الدار وسقوط الحائط من أجل الصدع الذي فيه والدور تفارق السلع‏.‏ فإن استحقاق جدار منها لا يوجب ردها، وكذلك استحقاق حمل الجذوع، ولا يرجع المشتري بشيء ليسارته في الدور إلا أن يشترط على البائع أربع جدرات فإن غالب الدور لا تبرأ عنه، وإذا استحق منها الأقل لزم الباقي بحصته‏.‏

ووجب الرجوع بقيمة العيب فيها؛ لأن الغالب شراؤها للقنية دون التنمية وغيرها يشتري للتجارة، ولذلك لا تفتيها حوالة الأسواق في البيع الفاسد، قال ابن مزين‏:‏ ولأنها ليست لها سوق تباع فيه فيعسر على البائع بيعها على تقدير الرد، وعلى المشتري شراؤها فاغتفر اليسير، وقد قال مالك‏:‏ يرد الثوب بالعيب الخفيف بخلاف الرقيق‏.‏

السبب الثاني‏:‏ القضاء العرفي‏:‏ لأن العرف والعادة سلامة الأشياء من العيوب الطارئة والنادرة فوجودها يوجب الرد، وفي الجواهر‏:‏ المثبت الخيار منه ما أثبت نقصا في المبيع كالخصاء فإنه قد يزيد في الثمن، أو في التصرف كالأعسر، أو خوفا في العاقبة كمن كان أبوه أو جده مجذوما فإنه يخشى ذلك في الذرية، ثم ذلك يكون نقصان وصف الجنس وبزيادة كالسرقة، ونقصان عين كالخصاء، ولا نقصانه بزيادة الرغبة فيه من وجه آخر، ومدرك اعتبار هذا السبب قوله تعالى‏:‏ ‏(‏أوفوا بالعقود‏)‏ وحديث المصراة، وسيأتي إن شاء الله، والإجماع منعقد عليه من حيث الجملة، وضابط حدوث العيب أن كل حادثة يكون فيها ضمان المبيع باقيا من البائع فحدوث العيب فيها يوجب الخيار للمبتاع، وكل حالة انتقل الضمان فيها للمبتاع فحدوثه حينئذ لا يوجب له خيارا، وقد تقدمت بعض فروعه في السبب الأول، ونذكر منها هاهنا نبذا‏.‏

فرع‏:‏

في الكتاب‏:‏ إذا وجد الجارية ريحاء وهي الزلاء فليس بعيب، بخلاف الزعر في العانة، والدين على العبد والزوج والزوجة والأولد، وزنا الأمة الوخش، واللعية في الرقيق‏.‏

فرع‏:‏

وإذا وجد العبد النصراني أغلف، وهو ممن يختتن، وجاوز سن الختان فله الرد، وإن كان ممن لا يختتن أم لم يجاوز لم يرد، وخفض الأمة أخف من الختان، وقيل في مثله، قال ابن يونس‏:‏ عدم الختان في الرقيق المجلوب الذي لا يختتن ليس بعيب، وفيما طال مكثه عند المسلمين، أو ولد عندهم عيب في على الإناث والذكور دون وخشها، قال ابن حبيب‏:‏ إذا كانا مسلمين، أو من بلاد المسلمين فعيب في العلى والوخش، إلا في الصغيرين الذين لم يفت ذلك فيهما‏.‏

فرع‏:‏

وفي الكتاب‏:‏ إذا أراد اتخاذها أم ولد، فإذا نسبها من العرب فخاف جر العرب ولادها دون ولده إذا ولدت وعتقت، ليس ذلك بعيب؛ لأنه غير مقصود العقلاء، قال صاحب التنبيهات‏:‏ المراد لم يشترط اتخاذها أم ولد، ولو اشترط فسد العقد لكن نواه، وظاهر اعتقاده ملك جر العرب الولاء دون المعتق، وقال سحنون‏:‏ وأصحاب مالك مجمعون على أن الولاء للمعتق في العجم، وأما في العرب فلا ولا فيهم لمعتقهم، ولا رد لهذا المشتري؛ لأنها قد تموت قبل ذلك، وقيل‏:‏ معنى قوله‏:‏ بجر العرب ولاؤها أي‏:‏ يشتهر نسبها بأبيها فينسى به معتقها، وإلا فالولاء للمعتق‏.‏

فرع‏:‏

قال ابن يونس‏:‏ إذا اشترط العجمة فله‏.‏

فائدة‏:‏ قال صاحب التنبيهات‏:‏ الرسحاء بالسين والحاء المهملتين التي لا الية لها، وهي الزلاء، والزعراء التي لا شعر على فرجها، أو حاجبيها أو غيرهما؛ لأن عدم الشعر يدل على رطوبة الفرج ورخاوته، وقوله‏:‏ لعية بكسر اللام وفتح العين أي الزنا من العي وهو الجهل، تشتهي القبائح بذلك؛ لأن فاعلها جاهل بعذاب الله تعالى، والوخش بسكون الخاء‏:‏ الحقير من كل شيء، قال ابن يونس‏:‏ قال ابن حبيب‏:‏ الزلاء عيب إلا أنه يخفى على المبتاع‏.‏ قال بعض شيوخنا‏:‏ لو اشتراها عائبة على الصفة كان له الرد، وعن مالك صغر الفرج ليس بعيب إلا أن يتفاحش، قال محمد‏.‏

يريد مالك بالزعر في العانة إذا لم يكن شعر فيها ولا في ساقيها ولا جسدها؛ لأنه يدل على حدوث الأدواء الردية، وألحق ابن حبيب الأبوين بالزوجين بجامع تعلق القلب وخوف الإباق إليهما عند السفر به إلا أن يمت جميع ذلك قبل الرد، إلا أن تكون الأمة رائعة فالزوج عيب، وإن مات لعادت، قال بعض القرويين‏:‏ في هذا نظر؛ لأنه لو وهبها لعبده يطؤها ثم انتزعها لم يكن عيبا، فما الفرق‏؟‏ والأخ والأخت والجد ليس بعيب لبعدهم قياسا على الصديق، والجدة أشد، قال‏:‏ وأرى أنها عيب؛ لأنه يأوي إليها، قال ابن القاسم‏:‏ والزنا عيب في العبيد أيضا كأمة، وقاله ‏(‏ش‏)‏ وابن حنبل، وبالمذهب قال ‏(‏ح‏)‏‏:‏ لأن العبد لا يراد للفراش والاستمتاع، وخالفنا في كون الرقيق ولد زنا ‏(‏ش‏)‏ وابن حنبل؛ لأن السبب في الرقيق غير مقصود، ووافقنا ‏(‏ح‏)‏ في الأمة فقط؛ لأنها تراد للفراش، وفي كتاب محمد‏:‏ إذا غضبت عيب، وعن مالك‏:‏ أن عيب اللعية يختص بالعلي إلا أن يكتبه البائع ويرد به الوخش، وعن مالك‏:‏ هو عيب في الإماء مطلقا، وفي علي الذكور، والجهل بالأب ليس بعيب، وكذلك سواد أحد الأبوين، وعن مالك‏:‏ هو عيب في الجارية تشتري للفراش لتوقع سواد الولد، وجذام أحد الأبوين والجدين عيب في الذكور والإناث والوخش لتوقع ذلك به، وإذا قال أهل المعرفة به جذام لا يظهر إلا بعد سنة، قال ابن القاسم‏:‏ لا يرد، وأنكره محمد والعبد الذي لا حاجب له عيب لتوقع جذامة وكون العبد يؤتى، والأمة مذكرة مشتهرة بذلك عيب، وليس كلام العبد وتذكر كلام الأمة ليس بعيب قاله مالك، وهو خلاف المدونة، قاله أبو محمد، وقيل‏:‏ ليس بخلاف لاشتراط الشهرة في الأمة دون العبد؛ لأن قوتهما ونشاطهما باقيان، فعيبهما بالشهرة فقط، والعبد تذهب قوته ونشاطه، قال صاحب التنبيهات‏:‏ حمل أبو محمد التخنث على الأخلاف دون الفاحشة لدلالة ذلك على ضعف الأفعال في الرجال، ودلالة التذكر على أن النساء يستغنين عن الرجال، فإذا لم يشتهر ذلك فليس بعيب لحصول المقاصد، وقاله أبو عمران، قال‏:‏ وأرى ذلك في العلية عيبا، وإن لم يشتهر لمنافاته التبعل فإن النساء يطلب منهن لين الكلام، وقال ابن حبيب‏:‏ المراد الفاحشة والكلام فقط ليس بعيب في الذكور والإناث، وروي واشتهرا بذلك بالبينة، قال اللخمي‏:‏ فيحمل قوله في الزلاء على الخفيف الذي لا ينقص الثمن ويصدق المشتري في خفائه عليه‏.‏

فرع‏:‏

في الكتاب‏:‏ ارتفاع الحيض في الاستبراء عند المبتاع عيب إذا طال لمنع المبتاع الوطئ، ولم يحد مالك الشهرين بل ينظر في ذلك الإمام، ولا ينفع البائع البينة أنها حاضت قبل البيع بيوم؛ لأنها في ضمانه في المواضعة إلا في التي تتواضع فمن المبتاع؛ لأنه عيب حادث، قال اللخمي‏:‏ ولو اشتراها في أول دمها كان عيبا؛ لأنه لو أراد البيع لم يقدر على قبض الثمن إلا بعد المدة، وعن مالك‏:‏ تأخير الحيض شهرا، أو نصفا يوجب الرد للبائع والمشتري لنفقة البائع والطول على المشتري، وفي كتاب محمد‏:‏ الرد بعد أربعة أشهر، وإن حاضت ثم تمادت استحاضتها لم ترد على القول بأن المحبوسة بالثمن من المشتري، وعلى القول بأنها من البائع ترد، وإن فبضها، أول الدم فتمادى استحاضة فله الرد لاحتمال الاستحاضة قبل هذا الحيض، بخلاف شرائها في بقائه، إلا أن يظهر عدم الاستحاضة بالبينة أو بالقرائن، وعن مالك‏:‏ إذا كان الرقيق من العلي وظهر أنه ابن زنا وهو ينقص الثمن فهو عيب في العلي دون الوخش، وقاله ابن شعبان في الجارية العلي؛ لأنها تتخذ للولد بخلاف العبد‏.‏

فرع‏:‏

قال ابن يونس‏:‏ الجارية تدعي الحرية أو الإسقاط من سيدها عيب منفر‏.‏

فرع‏:‏

قال مالك‏:‏ إذا وجد خوف السياط حضر نصف ذلك من ضرب ليس بعيب، كما لو ظن السمن فلم يجده‏.‏

فرع‏:‏

في الكتاب‏:‏ الحمل عيب في العلي والوخش خشية الموت عند الوضع، وصهوبة الشعر عيب، والشيب عيب في الرائعة دون غيرها، قال اللخمي‏:‏ الصهوبة إذا كانت لا تناسب كونها عيبا، وإلا فلا إلا أن سود أو جعد وكان يزيد في ثمنها ردت به، وظاهر قوله‏:‏ إن قليل الشيب عيب، وخالف ابن عبد الحكم‏.‏

قال ابن يونس‏:‏ عن مالك الحمل ليس بعيب في الوخش لحصول السلامة غالبا، قال اللخمي‏:‏ إن كان العيب تختلف الأغراض فيه فاطلع عليه من هو عنده عيب رد، وإن كان زائدا في الثمن، وإلا فلا إلا أن يشترط كالمعيبة، وللصقالبة، والحمل اليوم عيب عند الحاضرة دون البادية، واختلف فيما يكرهه المشتري ولا ينقص الثمن هل له الرد أم لا‏؟‏ قال‏:‏ والرد أحسن، وإن فات مضى بالأقل من الثمن أو القيمة، ويختلف في تفويت حوالة الأسواق وتفويت العيوب، وإذا كان أحد الأبوين بالحق لو يرد أو بفساد الطبائع رد لتوقعه في النسل‏.‏

فرع‏:‏

وإذا كان العيب لا يعلم عند البيع إلا بعد القطع والتصرف كعيوب المعرض الداخلة ونحوه فثلاثة أقوال‏:‏ قال مالك‏:‏ لا يرد بعد التصرف؛ لأن عليه دخل المتبايعان، وقال ابن حبيب‏:‏ إن كان من أصل الخلقة لم يجده بعد القطع فلا قيام به، وما حدث بعد الصحة كالسوس والقمل فقد يعلمه بعض الناس فله الرد، قال الأبهري‏:‏ يرد في ذلك كله لدخول المتبايعين على السلامة إلا أن يكون ذلك معلوما عادة، قال‏:‏ على هذا تكلم مالك بقوله، وعليه دخل المتبايعان، قال‏:‏ واختلف في الجلود تقطع خفافاً ونحوه، قيل‏:‏ هي مثل السلى يقوم بالعيب، وقال ابن حبيب‏:‏ هي مثل الخشب ما كان من أصل الخلقة كالجوزي فلا قيام، والحادث من الملح وحرارة السمن فله القيام، وقال مالك‏:‏ الجوز والراسح، وهو جوز الهندي كالخشب لا قيام فيه، وقال محمد‏:‏ ذلك فيما كثر كالأحمال إلا ان يكون كله فاسدا أو أكثره لإمكان معرفة القليل، وأنكر مالك رد الفقوس والقثاء بالمرارة، وقاله الأئمة، وقال أشهب‏:‏ إن وصل إلى ذلك يعود له الرد في الواحدة والاثنين، أما الأحمال فلا، قال محمد‏:‏ إلا أن يكون أكثره؛ لأن الكثير لا يخفى عن البائع، ويرد على رأي الأبهري مطلقا، ويرد البيض الفاسد عند مالك و‏(‏ش‏)‏ وابن حنبل، ولا شيء عليه في الكثير إذا دلس البائع، وإلا لم يرد ويرجع بالأرش إن كان مسروقا، وأما ما لا ينتفع به يرجع بجميع الثمن دلس البائع أم لا، لعدم قبوله البيع، قال ابن القاسم‏:‏ إن وجد فساده بحضرة البائع رد البيع، أو بعد أيام لم يرد لاحتمال فساده بعد العقد، قال ابن يونس‏:‏ قال مالك‏:‏ لا يرد بالخفيف العيب كالكي الذي لا ينقص الثمن، وإن كان عند النخاسين عيبا، قال ابن القاسم‏:‏ إلا أن يخالف لون الجسد، ونزع السن عيب في الرائعة في مقدم سنها ومؤخره دون العيب والدنية، وأكثر من السن الوليدة عيب في الجميع، والعسر في الجارية والعبد عيب والأضبط الذي يعمل بيديه، وليس بعيب إذا بقيت قوة اليمين على حالها‏.‏

السبب الثالث‏:‏ التغرير الفعلي وفيه بحثان‏:‏ البحث الأول في حد السبب، وفي الجواهر‏.‏ حده‏:‏ أن يفعل البائع فعلا يظن به المشتري كمالا فلا يوجد كذلك، وأصله قوله عليه السلام في الصحاح‏:‏ ‏(‏لا تلقوا الركبان للبيع، ولا بيع بعضكم على بيع بعض، ولا تناجشوا ولا بيع حاضر لباد، ولا تصروا الإبل والغنم، فمن ابتاعها بعد ذلك فهو بخير النظرين بعد أن يحلبها، فإن رضيها أمسكها، وإن سخطها ردها وصاعا من تمر‏)‏ قال صاحب التنبيهات‏:‏ المصراة المتروك حلابها لتجمع اللبن فيغتر مشتريها بكبر ضرعها، وأصل هذه اللفظة‏:‏ الاجتماع، ومنه‏:‏ الصراء للماء المجتمع، والصراة بالعراق؛ لأنه مجتمع المياه، ومنه قوله تعالى‏:‏ ‏(‏فأقبلت امرأته في صرة‏)‏ أي‏:‏ في نساء مجتمعات، ويقال‏:‏ صريت الماء في الحوض واللبن في الضرع بالتخفيف والتشديد، وليس من الصر الذي هو الربط والإبل مصرورة، مع أنه وقع في المدونة مصرورة، والصواب في لفظ الحديث تبصر الإبل بضم التاء وفتح الصاد وفتح اللام من الإبل، كقوله تعالى‏:‏ ‏(‏فلا تزكوا أنفسكم‏)‏ لأن صراء مثل زكاء، وكثير يقرؤونه بفتح التاء وضم الصاد، وهو لا يصح من صراء رباعيا بالألف بل من صر ثلاثيا بغير ألف، ومنهم من يضم لام الإبل مفعول ما لم يسم فاعله، وقال الخطابي‏:‏ يجوز أن يكون المصراة بمعنى المصررة فأبدلت إحدى الرائين ألفا كقولهم‏:‏ تقضي البازي أي‏:‏ تقضض، ومنه قوله تعالى‏:‏ ‏(‏قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها‏)‏

أي‏:‏ من دسسها فأبدلت السين ألفا، وقوله تعالى‏:‏ ‏(‏ثم ذهب إلى أهله يتمطى‏)‏ أي‏:‏ يتمطط فأبدلت الطاء الثانية ألفا، وفي الكتاب‏:‏ هذا الحديث ليس فيه رأي لأحد، قال صاحب التنبيهات‏:‏ وهذا يدل على تقديمه الخبر على القياس، وهو مشهور مذهبه خلاف ما حكاه عنه البغداديون، وفي الكتاب‏:‏ في معنى التصرية تلطيخ العبد بالمداد ليظن أنه كاتب، ونحو ذلك من التغرير الفعلي قائم مقام الشرط اللفظي؛ لأن لسان الحال يقوم مقام لسان المقال، وقاله ‏(‏ش‏)‏ وابن حنبل، وقال ‏(‏ح‏)‏‏:‏ ذلك ليس بعيب حتى في التصرية، واتفق بعض أصحابنا مع الأئمة على أنه لو علفها وملأ خواصرها ليظنها حاملا، ولطخ أطراف أنامله بالمداد، ووضع في يده أقلاما ليظنه كاتبا، أن ذلك ليس موجبا للرد؛ لقلة وقوع مثل هذه الأمور لغير هذا الغرض فجزم المشتري بذلك وضع للظن في غير موضعه، قال صاحب الإكمال‏:‏ وعن مالك عدم اعتبار الحديث تقديم للقياس عليه في المصراة ولا يرد شيئا، وجعل الخراج بالضمان، ولمالك يرد ما حلب تمرا، وقال بعض أصحابنا‏:‏ إذا رضي بائعها بقبولها جاز، ومنع غيره لتولد اللبن بعد الشراء فيكون إقالة بزيادة‏.‏

احتج ‏(‏ح‏)‏ على أن التصرية ليست بعيب ولا توجب الرد بالقياس على ما إذا رأى ضرعها كبيرا وظنه لبنا، وأنه لا يرد اتفاقا‏.‏

والجواب‏:‏ عن الحديث من وجوه‏:‏

الأول‏:‏ أنه من حديث أبي هريرة وهو كثير الحديث جدا، وقد قال النخعي‏:‏ كانوا لا يقبلون حديث أبي هريرة إلا في الثواب والعقاب دون الأحكام‏.‏

والثاني‏:‏ اضطراب منه، فرواه صاعا من تمر وصاعا من طعام، أو مثله ثمنها قمحا‏.‏

الثالث‏:‏ أنه مخالف للأصول؛ لأنه أثبت الرد من غير عيب ولا شرط، بل نقصان اللبن لو كان عيبا لرد به من غير تصرية، ولأنه قدر الخيار بثلاثة أيام، والخيار لا يتقدر إلا بالشرط، ولأنه واجب بدل اللبن مع قيماته، والأعيان لا تضمن بالبدل إلا مع فواتها؛ لأنه أوجبه تمرا‏.‏

واللبن يضمن اللبن، ولأنه قدره بصاع مع اختلاف البدل، والأصل مساواة البدل للمبدل، ولأنه يؤدي للجمع بين الثمن والمثمن للبائع فإن الصاع إنما كان ثمنه ثمن الشاة، ولأنه يؤدي إلى الربا؛ لأنه قد يبيع الشاة بصاع تمر ثم يردها مع صاع فيكون قد باع شاة وصاعا بصاع فهذه سبعة أوجه من المخالفة للأصول، وهو خبر واحد، والأصول متواترة، والمتواتر مقدم على الآحاد عند التعارض إجماعا‏.‏

والجواب عن الأول‏:‏ المعارضة بالقياس على تسويد الشعر، فإنه عنده يوجب الرد، وعلى الثاني‏:‏ المعارضة بقول البخاري‏:‏ روى عن أبي هريرة سبع مائة من أولاد المهاجرين والأنصار، وما من مصنف في الصحاح إلا وفيه رواية أبي هريرة، وعن الثالث‏:‏ أن الاختلاف لا يضره فإن الروايات كلها متفقة على العيب والخيار، فالمقصود لا اضطراب فيه، وعن الرابع‏:‏ أنه ليس من شرط الشرع أن لا يشرع حكما وإلا لكانت الشريعة كلها متماثلة، وهو خلاف الإجماع فالسلم والقراض والإجارة والحمالة وغرة الجنين، وجزاء الصيد كلها على خلاف الأصول، فلذا أخبر الشرع عن حكم وجب اعتقاده لمن كان يؤمن بالله واليوم الآخر، وأما قولكم‏:‏ الأصول متواترة، فتخصيص القرآن المتواتر بالقياس وخبر الواحد جائز، فكذلك تخصيص الأصول التي هي أضعف منه في النقل من القرآن، ثم إنا نجيب عن التفصيل فنقول‏:‏ أما قولكم‏:‏ ليس بعيب فلا نسلم؛ لأنا لا نعني بالعيب إلا فوات أمر مظنون نشأ الظن فيه عن شرط أو عرف أو تغرير، وهذا نشأ الظن فيه عن تغرير، وإنما التغرير بالمدة فليوقف ظهور التدليس على ذلك الحد، وضرورة الخيار، والرد بالعيب لم يتوقف على حد فلذلك لم يحد، وأما البدل مع بقاء العين فيتعذر رد العين باختلاطه مع لبن المشتري الحادث بعد العقد فهو في معنى المعدوم، وأما تقديره بالصاع فلتقليل الخصومات بعدم الانضباط كالغرة في الجنين مع اختلافه، وكذلك الموضحة مع اختلافها، واختلاف المجني عليه في السرف والحمية، وأما توصيله للربا فممنوع؛ لأن الربا في العقود لا في الفسوخ ثم الحديث يدل من ثلاثة أوجه بما فيه من النهي كقوله‏:‏ ‏(‏لا تصروا الإبل‏)‏ والنهي يعتمد المفسدة، والفساد عيب، وثانيها‏:‏ قوله عليه السلام ‏(‏فهو بخير النظرين‏)‏ والتخيير يعتمد وجود العيب، وثالثها‏:‏ إيجابه عليه السلام صاعا من تمر، وهو دليل على أن للمبدلة قسطا من الثمن‏.‏

البحث الثاني‏:‏ في أحكام هذا السبب ففي الكتاب‏:‏ المصراة من جميع الأنعام سواء، فإذا حلبها ثانية وتبين النقص‏:‏ فإما رضيها أو ردها وصاعا من تمر، فإن لم يكن عيش البلد التمر فصاع من عيش ذلك البلد كالفطرة، ولأنه روي‏:‏ ‏(‏مثل لبنها قمحاً‏)‏ فطريق الجمع ذلك، وقال ابن حبيب‏:‏ يتعين التمر لسائر البلاد، فإن حلبها ثالثة وقد حصلت الخبرة بالثانية فهو رضا لا رد له، ولا حجة عليه في الثانية؛ لأنها للاختبار، وإذا ردها لم يرد لبنها، وإن كان قياسا بغير صاع؛ لأنه بيع الطعام قبل قبضه لوجوب الصاع أولاً، وليس للبائع أن يقلبها بغير لبن وصاع، قال صاحب التنبيهات‏:‏ أجاز سحنون أخذها بلبنها، وجعلها إقالة، وقيل‏:‏ إنما تصح الإقالة إذا حلبها بالحضرة عند الشراء حيث لا يتولد لبن، وعلى هذا لا يعرف أنها مصراة إلا بالبينة، وقال محمد‏:‏ الحلبة الثانية رضا خلافا لمالك؛ لأنه قد يطن نقص اللبن لاختلاف الرعي أو غيره فلا يتحقق إلا بالثالثة، وقاله ‏(‏ش‏)‏، قال اللخمي‏:‏ إذا كانت جملة غنم احتلف هل صاع واحد لأن الشرع أعرض في هذا عن القلة والكثرة في اللبن، أو لكل شاة صاع، وهو الأصوب؛ لأن الحكم ثابت في شاة فيتكرر بتكرر الشاة، ولأن الأصل مساواة البدل للمبدل، خولف اللبن لعدم انضباطه وتمييزه عن لبن المشتري، أما عدد الشياه فمنضبط، وكذلك الإبل؛ لأن لبن الإبل وإن كان أكثر فلبن الغنم أحق‏.‏

نظائر‏:‏ قال العبدي‏:‏ التسوية بين الواحد والكثير والقليل والكثير في تسع مسائل‏:‏ شاة المصراة، والحالف بنحر ولده، فهذا واحد في الواحد والجمع، وقيل‏:‏ يتعدد، والمؤخر قضاء رمضان سنة فكفارة واحدة، وكذلك السنون والوطء في رمضان مرة ومرات سواء إذا لم يكفر واليمين لها كفارة واحدة، وكذلك الأيمان في الشيء الواحد، وقذف الواحد والجماعة يوجب حدا واحدا، وقيل‏:‏ يتعدد، والتطيب مرة في الحج يوجب الفدية، وكذلك المرات، والحالف بصدقة ماله مرة عليه الثلث، وكذلك إذا كرر الحلف، وقيل‏:‏ ثلث ما بقي، وغسل الإناء من ولوغ الكلب سبعا، وكذلك الكلاب، وقيل‏:‏ يتعدد، وإذا علم المشتري بالتصرية قبل الحلاب كان له الرد قبل الحلاب، وله الاختيار في الحلاب‏:‏ هل ينقص كثيرا أو قليلا، وله الخيار بعد الحلبةالأولى؛ لأنه يروي في الحديث في الصحيحين‏:‏ ‏(‏فهو بالخيار ثلاثة أيام‏)‏ فإن علم بالتصرية وقبله بطل الرد إلا أن يخرج عن عادة مثلها، قال ابن يونس‏:‏ قال أشهب‏:‏ إن ردها وقد أكل لبنها فليس عليه صاع، كما لو لم تكن مصراة‏.‏

وقال ‏(‏ش‏)‏ وابن حنبل‏:‏ عليه الصاع عوض اللبن الذي أخذه؛ لأنه مبيع أقام الشرع الصاع مقامه‏.‏

جوابه‏:‏ مبيع لا يجوز مقابلته بجزء من الثمن للجهل به، فلا يرد عنه شيئا‏.‏

والرد في التصرية على خلاف الأصل، وإذا هلكت قبل الخيار فمن المبتاع؛ لأن التصرية عيب، ويرجع بقيمته‏.‏

فرع‏:‏

في الكتاب‏:‏ إذا باع غير مصراة في زمن الحلاب، ولم يذكر ما يحلب، وهو يعلمه، وهي إنما تراد للحلاب، فله الخيار كصبرة يعلم البائع كيلها دون المبتاع، وإن لم يعلم فلا، وإن باع في غير زمن الحلاب فحلبها في زمنه فلم يرضها فلا رد له عرف البائع حلابها أم لا؛ لأن أحوال الحيوان تتغير، قال ابن يونس‏:‏ قال يحيى بن عمر‏:‏ واللبن هاهنا للمبتاع بالضمان، بخلاف المصراة، وفي الجواهر‏:‏ لو ظن غزارة اللبن تكبر الضرع فوجده لحما فلا خيار له؛ لأنه مما يكثر، وقال أشهب‏:‏ إذا اشتراها في غير الإبان فله ردها في الإبان إذا وجدها قليلة لفوات ما هو مصمون عادة إذا كان البائع يعلم ذلك‏.‏

فرع‏:‏

في الجواهر‏:‏ لا يزاد على الصاع لكثرة اللبن، ولا ينقص منه لقلته كالغرة في الجنين، ولا يلتفت لغلائه ورخصه، بل قال بعض المتأخرين‏:‏ لو كانت قيمة الشاة أو تزيد فظاهر المذهب عليه الإتيان به؛ لأن الشرع لما سن هذه القاعدة أعرض عما يتوقع في صورها دفعا لمفدسة الخصومات وندرة ذلك المتوقع، ورواية ابن القاسم أنه من غالب قوت البلد؛ لأن في بعض ألفاظ الحديث‏:‏ صاع من طعام، فحملت رواية التمر على أنه غالب قوت المدينة وإذا رضي بعيب التصرية ورد بعيب آخر فقيل‏:‏ يرد الصاع، خلافا لمحمد؛ لأن اللبن مبيع في الحالين‏.‏

النظر الثاني‏:‏ في الأحكام المترتبة على السببين الأولين‏:‏

في الكتاب‏:‏ له التمسك بجميع الثمن أو الرد لحديث المصراة، ولم يجعل فيه مع التمسك أرش، وقاله الأئمة‏.‏

سؤال‏:‏ لو باع أثوابا فسلمها البائع إلا ثوبا فللمبتاع التمسك والرجوع بحصة الثوب، والعيب جزء من المبيع بقي عند البائع فما الفرق‏؟‏ جوابه‏:‏ الفرق‏:‏ أن هذه أعيان متميزة، والفائت هاهنا صفة فكأن البائع سلم غير المبيع؛ لأن المبيع يسلم، وهذا مبيع فهو كما لو باع ثوبا فسلم غيره فإنه يتعين الرد‏.‏

فرع‏:‏

قال ابن يونس‏:‏ لو مات البائع والمبتاع قبل الرد، وجهل الورثة الثمن فوسط القيمة عدلا بينهم، وكذلك لو مات فامتنع الرد، ويرجع بأرش العيب من تلك القيمة، وقال ابن دينار‏:‏ بالأقل من الثمن أو القيمة يوم البيع، قال صاحب البيان‏:‏ إذا مات المتبايعان فثبت العيب وجهلوا الثمن، وفات العبد، قال ابن القاسم‏:‏ الجهل بالثمن فوت وإن كان المبيع قائما، ويرجع بالأرش من أوسط القيم يوم القبض عدلا بين الفريقين، وقال عيسى بن دينار‏:‏ بل من القيمة يوم البيع، وعن ابن القاسم‏:‏ الجهل بالثمن ليس فوتا بل يرجع بقيمة الوسط يوم القبض ويرد المبيع، قال‏:‏ ومراده أن يوم القبض يوم البيع؛ لأن القيمة هاهنا يوم البيع؛ لأنه ليس بيعا فاسدا، وتتوجه الأيمان بينهم ويمين التهم تتوقف الأحكام عليها، فإن حلف ورثة البائع على العلم ونكل ورثة المشتري لم يكن لهم شيء حتى يحلفوا، فلو حلف ورثة المشتري ونكل الآخر اكتفي بما يؤدي إليه اجتهاد الحاكم من حبس وغيره، فلو جهلوا الثمن وتصادقوا على عدم القبض والمبيع قائم، حلفوا جميعا ورد البيع‏.‏

فرع‏:‏

قال اللخمي‏:‏ إذا رد بالعيب وكان الثمن عرضا رجع في عيبه، فإن فات بحوالة سوق فما فوقه، رجع بقيمته، أو مثلها رجع في عيبه، فإن تغير سوقه قال ابن القاسم‏:‏ ليس بفوت ويأخذه، وإن فات فمثله، وعلى قول ابن وهب‏:‏ إن حوالة الأسواق تفيت المثلي يرجع بالقيمة‏.‏

فرع‏:‏

في الكتاب‏:‏ إذا بعث ثوبا من رجلين فباع أحدهما حصته من صاحبه، ثم ظهر على عيب من عندك، فلا رجوع للبائع عليه لانتقال الحق لغيره، والآخر رد نصفه وأخذ نصف الثمن، قال اللخمي‏:‏ للبائع الرجوع بالأقل من قيمة العيب، أو تمام الثمن إن باع بأقل، قال ابن عبد الحكم‏:‏ يرجع بالعيب إن باع بمثل الثمن لاستحقاقه إياه بالعقد الأول، وعلى رواية أشهب‏:‏ لا يرد؛ لأنه ينقض على البائع، ويكون للبائع أن يعطيه نصف قيمة العيب، أو يقبل منه الرد، وكذلك إن باع نصيبه من غير شريكه، كالبيع من الشريك، فإن علما بالعيب قبل بيع أحدهما حصته‏:‏ فقال مالك مرة‏:‏ لكل واحد منها الرد دون صاحبه؛ لأنه حقه، وقاله ‏(‏ش‏)‏، وقال مرة إما أن يتمسكا جميعا، أو يردا جميعا لتفريق الصفقة، وقاله ‏(‏ح‏)‏، ويصح أن يقال‏:‏ لمريد الرد إجبار صاحبه لالتزامهما أحكام الصفقة الواحدة، وأن يقال‏:‏ ليس له ذلك، ويخير البائع بين إعطاء الراد قيمة عيب نصفه، أو يقبله ويعطيه نصف ثمنه؛ لأنه حقه في التفريق‏.‏

فرع‏:‏

في الكتاب‏:‏ إذا اخترت الرد وإعطاء الأرش للعيب الحادث عندك دفعت أرش عيب طرأ على معيب؛ لأنه الذي تعيب عندك وضمنته بالقبض، قال ابن يونس‏:‏ أرش العيب جزء من الثمن لا من القيمة؛ لأنه جزء من المبيع لم يسلم، وإن أراد السلعة وأرش ما حدث عنده رد أرش معيب؛ لأنه تعيب عنده بعيب، وقال ابن المعذل كذلك، إلا أنه يرد قيمة العيب يوم الرد؛ لأنه فسخ بيع كما يرد نماءه ونقصانه من غير شيء، فأما العيب القديم فينسب إلى الثمن يوم العقد؛ لأن البائع يسلم مالا يستحقه، وهو مقابل الجزء الفائت بالعيب، ويرده وإلا فسخ، وابن القاسم يرى أن العيب فات بيد المشتري فيتم فيه البيع فيرد حصته من الثمن، ولو أكل بعض الطعام ورد بالعيب فعليه المأكول بحصته من الثمن، وفي المقدمات‏:‏ قال محمد‏:‏ ما نقصه من المبيع بغير صناعة كالقطع بخلاف الصوم ونحوه‏.‏

فرع‏:‏

في الكتاب‏:‏ إذا دلس فنقص المبيع أو هلك بسبب عيب التدليس كالسارق يسرق فيقطع، أو المجنون، أو الآبق يأبق فيهلك في مفازة فضمانه من البائع ويرد الأرش أو جميع الثمن؛ لأن سبب ذلك من عنده قبل التسليم، وما حدث به من عيب غير التدليس فمن المشتري، ويرد الأرش إن رد، قال اللخمي‏:‏ إن سرق من غير حرز فلم يقطع فرد على البائع، وكلام المسروق منه مع البائع في جناية السرقة يفديه أو يسلمه، وإن كان غير مدلس خير المشتري بين التمسك وأخذ أرش العيب أو الرد، ويرد ما نقصه عيب القطع إن قطع، وإن لم يقطع خير بين إسلامه للمجني عليه، ويرجع بالعيب إلا أن يفديه ويرجع على البائع، وفي الجواهر‏:‏ إن باع المشتري من المدلس من ثالث فهلك بسبب العيب عند الثالث رجع الثالث على الأول بجميع الثمن إلا أن يزيد على ما دفع للثاني فيكون الفصل للثاني، قاله ابن القاسم؛ لأن الأول يعد مدلسا على الثالث، لأن الوسط لو علم لأعلم، قال أصبغ‏:‏ يؤخذ الثمن من الأول فيدفع للثالث منه قيمة العيب الذي يستحقه على الثاني والباقي للوسط؛ لأنه المستحق على الأول، وقيل‏:‏ لا يؤخذ من المدلس الأول شيء؛ لأنه لم يضر بالثاني إلا أن يرجع الثالث على الثاني بالأرش فيكون على الأول الأقل مما غرم، أو الثمن الذي دفعه، أو قيمة العيب من الثمن الذي دفعه أيضا، وكذلك رجوع الثالث على الأول هاهنا بما كان يرجع به عليه الثاني إذا طالبه الثالث بالأرش، قال صاحب التنبيهات‏:‏ ذهب كثير من المتأولين أن قوله في الكتاب‏:‏ إذا نقصه الصبغ، أو القطع في التدليس‏:‏ له الرد بغير شيء أو الإمساك، وأحد الأمرين خاص بالصبغ، وأما الإمساك في القطع فلا شيء له؛ لأنه ملك الرد بغير غرم، وقال ابن مناصر‏:‏ ذلك محمول على ما يحتاج قطعه إلى غرم كالديباج والخز فهو كالصبغ، قال صاحب تهذيب الطالب‏:‏ قال في الكتاب‏:‏ له الإمساك وأخذ قيمة العيب في التدليس إذا قطع، وفي كتاب محمد‏:‏ ليس له إمساك بخلاف الصبغ لئلا يذهب صبغه، ولا ضرر عليه في القطع، قال اللخمي‏:‏

النقص مع التدليس ثلاثة أقسام‏:‏ إن كان يرى ذلك لمثل ذلك فلا شيء عليه، أو يراد وهو متلف بطل الرد ويرجع بالأرش أو غير متلف رده ولا شيء عليه، وإن لبس الثوب حتى غسله رد النقص في التدليس وغيره؛ لأن صون ماله يلبسه، ولا يرد في وطء الثيب شيئا في التكبر وغيره، وله الإمساك في التكبر في غير التدليس، ويرجع بالعيب أو يردها وما نقصت، ويختلف في التدليس هل يغرم أم لا‏؟‏ لأنه انتفع أولا بخلاف اللباس؛ لأنه يصون ماله، قال‏:‏ والأول أحسن، ولو باع البكر قبل الدخول ثم دخلت ردها ولا شيء عليه في التدليس وغيره؛ لخروج هذا النقص عن البيع‏.‏

نظائر‏:‏ قال صاحب المقدمات‏:‏ يختص المدلس بخمس مسائل‏:‏ إذا تصرف المشتري فيها تصرف مثلها لا يرد إن شاء أن رد، وإذا عطب المبيع بسبب التدليس أو بعيب يضمنه المشتري، وإذا اشتراها البائع من المبتاع بأكثر من الثمن الذي باع فغير المدلس يرجع بما زاد بخلاف المدلس، ولا يرد السمسار الجعل إذا ردت السلعة لدخول المدلس على ذلك بخلاف غير المدلس، وتنفع البراءة غير المدلس، ولا تنفع فيما دلس به‏.‏

فرع‏:‏

قال ابن يونس‏:‏ قال ابن القاسم‏:‏ إذا دلس بالإباق، فغاب ثم قال‏:‏ أنت غييته ولم يأبق صدق المشتري مع يمينه، قال أبو بكر بن عبد الرحمن‏:‏ إن أعلمه بإباق شهر وهو يأبق سنة إن هلك في الذي بينه فليس كالتدليس، وإلا فكالتدليس، وكذلك كل عيب سكت عن بعضه، وقيل‏:‏ إذا قال‏:‏ إذا أبق مرة، وكان أبق مرتين، ثم أبق رجع بقدر ما كتم، وليس كالتدليس، وقيل‏:‏ إن بين أكثر العيب الذي هلك به رجع بجميع الثمن، وإلا بقدر ما كتمه إلحاقا للأقل بالأكثر، وقال ابن دينار‏:‏ إن هلك في الإبان بعيب الإباق فقط

إلا أن يهلكه الإباق إلى عطب بخلاف السرقة، ولو دلس بالحمل فعلمه المبتاع فلم يردها حتى ماتت، فهي من المبتاع لرضاه بالحمل، وقال أشهب‏:‏ ولا يرد ثمن ولا قيمة عيب، قال في المدونة‏:‏ إلا أن يبادر في الطلب ولم يفرط، أو يمكن من الرد ولكن في وقت لا يعد فيه راضيا لقربه كاليوم، ويحلف أنه لم يرض‏.‏

فرع‏:‏

في الكتاب‏:‏ إذا بعت عبدا بعبد أو عرض فوجدته معيبا لك رده، وأخذ عبدك أو عرضك إلا أن يهلك أو يباع أو يتغير سوقة أو بدنه، فلك القيمة يوم العقد، ولو بعت بمثلي رجعت بالمثل بهد الهلاك لقيامة مقامه كالعين، قال ابن يونس‏:‏ إذا وجد ببعض الرقيق عيبا ينقص من ثمن الجملة رده بحصته، وإلا فلا، وإن كان أو انفرد نقص؛ لأن المبيع هو الجملة، قال محمد‏:‏ هذا في الحمل للخلاف فيه، وفي غيره يرد حصته‏.‏

فرع‏:‏

في الكتاب‏:‏ إذا باع سلعا بمائة دينار وسموا لكل سلعة ثمنا فظهر عيب بأحدها لم ينظر للتسمية، بل يقسم الثمن على قيم الثياب نظرا للعقد، فإن كان المعيب ليس وجه الصفقة رده بحصته والألم يكن له الرضا بالعيب إلا بجميع الثمن، أو يرد الجميع؛ لأنه في معنى الجملة، ووجه الصفقة‏:‏ أن تكون قيمته سبعين، والثمن مائة إلا أن يكون أفضل السلع، قال اللخمي‏:‏ إذا ذهب المثلي، أو أكله خيره ابن القاسم بين غرم المثل معينا أو يمسك ولا شيء، وأشهب‏:‏ بين المثل والرجوع بقيمة العيب وهو أحسن للكلفة في الشراء، فإن جهل مقداره كان كالسلع، كالكتان ونحوه، فإنه يختلف وسط العدل وآخره، وإن فات

الجزاف خير بين التمسك والرجوع بالعيب، أو يرد القيمة؛ لأن الجزاف كالعروض‏.‏

فرع‏:‏

قال ابن يونس‏:‏ إذا اختلفا في النقد قبل المحاكمة في العيب إن كان مما يحكم به في الحال لم يلزمه النقد حتى يتعين بإخراج الأرش، وإلا نقد لتعين وقت النقد دون العيب‏.‏

فرع‏:‏

إذا تنازعا فقدم البائع لأجل عن العيب صدق البائع في التقويم؛ لأنه يدعي عليهما الرد وأرش العيب‏.‏

فرع‏:‏

في الكتاب‏:‏ العلة في الرد بالعيب للمشتري، قال الطرطوشي‏:‏ الزوائد الحادثة في يد المشتري لا تمنع الرد بالعيب كالسمن، وولادة الأمة، ومهرها، ونتاج الماشية، واللبن، والصوف، وخراج العبد، وتمر النخل، والشجر يكون له ذلك مجانا إلا الولد والسمن يردهما مع الأصل، وقاله ‏(‏ش‏)‏ وابن حنبل وزادا‏:‏ لا يرد الولد؛ لأنه غلة، وقال ‏(‏ح‏)‏‏:‏ الزوائد تمنع الرد بالعيب، ونقض أصله بالغلة والكسب‏.‏ وحدوث الزوائد قبل القبض وهلاكها في يد المشتري بعد حدوثها‏.‏ لنا‏:‏ القياس على هذه النصوص، ولأن الفسخ لا يتناول إلا ما تناوله العقد، ولم يتناول العقد الزوائد، بل استفادها المشتري بملك فلا يتناولها حكم الفسخ كما لا يتناولها حكم البيع إذا حدثت عند البائع، ولما في أبي داود‏:‏ أن رجلا اشترى عبدا فاستغله ما شاء الله ثم

وجد به عيبا فرده، فقال‏:‏ يا رسول الله إنه استغل غلامي، فقال عليه السلام‏:‏ ‏(‏الخراج بالضمان‏)‏ وأما السمن ونحوه فتبع للسمن في الفسخ كما يتبعها في العقد، احتج بأنها ناشئة عن عين المبيع فلا يرده بالسمن، ولأنه لو وقع الفسخ عليها لزم خلافه الإجماع، ولأن العقد لم يتناولها فلا يتناولها الفسخ، ولو وقع على الأصل فقط لا يملك الزوائد من موجب العقد، ولا يمكن رفع العقد مع بقاء موجبه‏.‏

والجواب عن الأول‏:‏ أن السمن متصل بلحم المبيع لا بمن نوعه، وعن الثاني‏:‏ أن الفسخ وقع في الأم والزوائد بموجب الملك لا بموجب العقد، كما يبقى للبائع تبقى للمشتري‏.‏

احتج ‏(‏ش‏)‏ وابن حنبل على رد الولد بأن الخراج بالضمان، والولد خراج، وبالقياس على الثمرة‏.‏

والجواب عن الأول‏:‏ لا نسلم أن الولد يسمى خراجاً، بل هو كالعضو يتبع الأبوين في العقود كالكتابة والتدبير وغيرهما، والاكتساب لا يتبع، وعن الثاني‏:‏ أن الولد على خلق أمه فيتبعها في العقود والفسوخ، بخلاف الثمرة‏.‏

تفريع‏:‏ قال اللخمي‏:‏ الخراج بالضمان إذا كان المبيع لا غلة فيه يوم البيع ولا يوم الرد، واعتل فيما بين ذلك فإن اشترى شاة لا صوف عليها ثم حدث فجزه ثم وجد عيبا رد، وكان له ما جزه وقت جزازه أو قبله، فإن قام بالعيب قبل الجزاز فهو يكون غلة بالتمام أو بالغل أو بالجز قياسا على الثمار، هل يكون غلة في الطيب أو باليبس أو بالجذاذ‏؟‏ وإن كان الصوف تاما عند العقد، قال ابن القاسم‏:‏ يرد؛ لأنه مبيع أو مثله إن كان فائتاً، وقال أشهب‏:‏ هو له؛ لأنه غلة، والأول أحسن ويخير بين غرم مثله أو قيمته؛ لأنه قريب، فإن عاد

صوف آخر جبر الصوف بالصوف، وهو ليس من جبر العين بالولد، والولد ليس بغلة، ولا يغرم ما حلب إذا لم تكن مصراة عند البيع، وإن كانت مصراة عند الرد له حلبه؛ لأن الحلب كالجذاذ والجز، وإن اشتراها بثمرة مأبورة قال ابن القاسم‏:‏ يردها وإن جذت، أو مكيلتها إن فاتت، أو القيمة إن جهلت لأنها مبيعة، قال‏:‏ وأرى أن تمضي بما ينوبها من الثمن؛ لأنها مبيعة تمت وانتقلت في ضمان المشتري، وكذلك إذا طابت ولم تجذ، وإن كانت غير مأبورة فتمت لم يكن لها قسط من الثمن، وخالف أشهب، وفي المقدمات‏:‏ إذا اشتراها ولا ثمرة فيها فيجدها معيبة قبل حدوث ثمرة فله ردها، ولا يرجع بسقي ولا علاج؛ لأنه أنفق لنفسه، وقيل‏:‏ يرجع على مذهب ابن القاسم؛ لأنه غير متبرع وينبغي أن تجري على اختلاف قوله في الرد بالعيب هل هو نقض للبيع أو ابتداء بيع‏؟‏ فإن حتى كان ثمرا فوجد العيب مثل الثاني فله الرجوع بالسقي والعلاج عند ابن القاسم وأشهب خلافا لسحنون وعبد الملك، فإن جذ الثمرة في هذه الحالة فكجذاذة قبل الإبار، وفي الوقت الذي تكون الثمرة غلة للمبتاع في الرد بالعيب والبيع الفاسد والاستحقاق أربعة أقوال‏:‏ الإبار؛ لأنها قد صارت فعلا به في حالة تكون للبائع في البيع، وبالطيب؛ لأنه وقت البيع مفردة دون الأصول، وكالجذاذ؛ لأنها قبل الجذاذ حاصلة في الأصول، تبع لها فتتبع الأصول كغير المؤبر، فإن اشتراها بثمرة ولم تؤبر فوجد العيب قبل التأبير، قال ابن القاسم وأشهب‏:‏ يردها ويرجع بالسقي والعلاج؛ لأنه غير متبرع بل أنفق على ثمن الملك وقد فات، وفي ‏(‏المدونة‏)‏ ما يقتضي عدم الرجوع، فإن جذ الثمرة قبل القيام بالعيب كان نقضا يوجب الخيار بين الرد ويرد ما نقص أو الإمساك والرجوع

بقيمة العيب، فإن اشتراها بثمرة لم تؤبر فوجد العيب بعد التأبير فكالمشتري بغير ثمرة يجد العيب بعد كما تقدم، فإن اشتراها بثمرة لم تؤبر فوجد العيب وقد طابت فكالمشتري بغير ثمرة ثم يجد العيب عند الطيب كما تقدم، فإن اشتراها بثمرة مأبورة فوجد العيب قبل الطيب ردها بثمرها عند الجميع، ويرجع بالسقي والعلاج عند ابن القاسم وأشهب، فإن جذ الثمرة قبل وجد أن العيب خير بين الرد وما نقص، أو يمسك ويرجع بقيمة العيب كجذه قبل الإبار، فإن اشتراها وفيها ثمرة مأبورة فيجد العيب بعد الطيب ردها بثمنها عند ابن القاسم، ويرجع بالسقي والعلاج ولم يمضها إذا فاتت بما ينوبها من الثمن كما أمضاها في الشفعة، وعند سحنون اختلافا من قوله، وفرق ابن عبدوس بين المسألتين، وقال أشهب‏:‏ إن جذت فهي غلة فيتحصل فيها أقوال‏:‏ برد معا مطلقا للمبتاع تمضى بما ينوبها من الثمن‏.‏ وإذا قلنا بالثاني أو الثالث ففي حد ذلك ثلاثة أقوال‏:‏ الطيب البين، الجذاذ، ولو ذهبت الثمرة بجائحة هاهنا في هذا الوجه، رد ورجع بجميع الثمن، فإن اشتراها بثمرة قد طابت ردها بثمرها؛ لأنها مبيعة، فإن فاتت فالمكيلة إن عرفت وإلا مضت بما ينوبها من الثمن ورد النخل بما ينوبها، وقيل‏:‏ يرد قيمة الثمن ويرجع بجميع الثمن، فهذه عشرة أوجه، والرد بفساد البيع كذلك في جميع الوجوه غير الخيار لأحد المتبايعين، وجذاذ الثمرة قبل الإبار، أو بعده وقبل الطيب فوت‏.‏

نظائر‏:‏ قال العبدي‏:‏ توخذ الثمرة في خمس مسائل‏:‏ الرد بالعيب والشفيع والمستحق إلا اليسير، فإذا يبست فلا يأخذها، وكذلك إذا تولدت بعد اليبس أو البيع الفاسد والفلس ما لم تزايل الأصول، ابن رشد‏:‏ الغلة للمشتري في هذه الخمس الثمرة وغيرها‏.‏

فرع‏:‏

قال اللخمي‏:‏ له الانتفاع بالدار والحائط زمن المخاصمة حتى يحكم بالفسخ؛ لأنها على ملكه، وليس له وطء الجارية ولا لبس الثوب بعد معرفة العيب، بخلاف الأولين؛ لأن اللباس ينقص، والوطء يعتمد استقرار الملك، فإن فعل كان رضا بالعيب، وقال مالك في العبد والدابة‏:‏ إن كان البائع والمشتري حاضرين لزمه العيب إن استعمل، وخالفه ابن حبيب؛ لأن الغلة بالنفقة فصارت الغلات ثلاثة أقسام‏:‏ قسمان متفق عليهما، وقسم مختلف فيه، فإن علم بالعيب بالدابة في سفره فركب فهل يكون رضا‏؟‏ قولان لمالك، نظرا لكونه كالمكره بالسفر أم لا، وكذلك يجري الخلاف إذا وجد العيب بعد غيبة البائع؛ لأن الرفع للحاكم مما يشق على الناس‏.‏

فرع‏:‏

قال ابن يونس‏:‏ إن جهل الصوف بعد فوته حيث يرده رد اللحم بحصتها من الثمن

فرع‏:‏

في ‏(‏الكتاب‏)‏‏:‏ إذا انتزعت مال العبد، ثم رددته رددت ماله، فإن هلك قبل انتزاعك لم يلزمك بجزء من الثمن؛ لأنك لم تشتره بل مال العبد، وكذلك هلاك الثمرة بأمر سماوي قبل جذاذها‏.‏

فرع‏:‏

في ‏(‏الكتاب‏)‏‏:‏ إذا نقضت الثوب بلبسك رددت النقص في التدليس وغيره؛ لأنك صونت به مالك‏.‏

فرع‏:‏

قال اللخمي‏:‏ إذا نقل المبيع ثم عيب دلس به قبل الكراء على المبتاع؛ لأن التسليم عليه، وقيل‏:‏ على البائع؛ لأنه غر فإن لم يدلس قال ابن حبيب‏:‏ يرفع ذلك للإمام في ذلك البلد ويباع على البائع، وعلى قول سحنون‏:‏ النقل فوت ويرجع بالعيب ولا يلزم البائع قبوله في البلد الآخر، قال‏:‏ وهو أحسن إلا في العبد والذي كلفه في رجوعه، فإن وجد البائع في ذلك البلد ماله حمل ورضي البائع بقبضه، وقال المشتري‏:‏ أمسك وأرجع بالعيب على قول ابن حبيب ذلك للبائع؛ لأن الأصل في الرد بالعيب، وعن مالك‏:‏ المشتري بالخيار بين الرد وبين وضع قدر العيب؛ لأنه قد تضرر بفوات مصلحة النقل، وكذلك اختلف في الغاصب فالمشتري أولى فلابد من اجتماع البائع والمشتري، فإن كان لا حمل له فالمقال للبائع إذا كان الطريق عامرا، وإلا فلا مقال لواحد منها، وإن كان البائع مدلسا وعالما أن المشتري ينقل جبره المشتري على القبول مطلقا، وإن كان مثليا كان للمشتري دفع مثله ببلد العقد وجبره على الأخذ هاهنا إن دلس، وإلا فلا‏.‏

فرع‏:‏

في الكتاب‏:‏ إذا اشترى المكاتب أو المأذون ثم عجز المكاتب وحجر على المأذون، فللسيد القيام بما لهما في العهدة والرد بالعيب أو الرضا بهما لعود استيلائه عليهما، ولو رضيا قبل ذلك بغير محاباة، أو شهدت البينة ببراءة البائع من العيوب لزم، قال اللخمي‏:‏ إذا باع المكاتب فللمشتري الرد عليه بعد عجزه، ويباع له ويتبع بما نقص، وله الفضل، قال ابن يونس‏:‏ إذا كان على المكاتب دين ورضي البائع بالرد فهو أسوة الغرماء، وقيل‏:‏ هو أحق بالمبيع كالحر‏.‏

فرع‏:‏

قال ابن يونس‏:‏ قال إبن القاسم في الكتاب‏:‏ إذا بعت العبد من نفسه بأمته لم ترد عليه بالعيب، وكأنك انتزعتها وأعتقته، ثم رجع إلى ردها واتباعك إياه بقيمتها نظرا لصورة المعاملة، قال ابن القاسم‏:‏ ولو كانت في يد غيره عند العقد رددتها عليه واتبعته بقيمتها لا بقيمته؛ لأنها مورد العقد، وكأنك إذا قاطعت المكاتب على عبده اتفاقاً؛ لأنك غير قادر على أخذ ماله بخلاف العبد، وإن اعتقت عبدك على عبده اتفاقا؛ لأنك غير قادر على أخذ ماله، بخلاف العبد وان اعتقت عبدك على عبد موصوف ثم ظهر معيبا رجعت بمثله فترجع الرطب ثلاثة‏:‏ في المعين لا ترجع فيه بشيء، وفي الموصوف ترجع بمثله، وفي المعين لغيره ترجع بالقيمة، ولو قبضت عبدا من مسلم فمات في يدك ثم ظهرت على عيب رددنا القيمة لضمانك بالقبض، ورجعت بمثله توفية بمقتضى العقد، وعن سحنون‏:‏ يرجع غير أن الأرش الربع ويكون شريكا وهو القياس؛ لأنك قبضت العقود عليه إلا حصة العيب، والأول استحسان نفيا لضرر الشركة، وقال ابن عبد الحكم بالأرش من القيمة لا من الثمن، بخلاف العبد المعين؛ لأنه يتفسخ العقد فيه بالرد، وهاهنا يرجع بالمثل مالا‏.‏

فرع‏:‏

للوارث القيام بعيب موروثه، فإن ادعى البائع البراءة بالبينة عليه لانتقال الحق إلى غيرك، فإن رجع‏:‏ قال مالك‏:‏ فلك، وإلا حلف من الورثة من يظن به علم ذلك دون غيره، وإذا مات البائع والمبتاع وجهل الثمن، والعبد قائم رجع الورثة بالأرش من القيمة اتفاقا‏.‏

فرع‏:‏

في الكتاب‏:‏ ليس لك المطالبة بعد البيع بالعيب لانتقال الحق إلى غيرك،

فإن رجع إلى ملكك فلك المطالبة، وقال أشهب‏:‏ إن رجع بشراء رده على البائع الأخير؛ لأن العهدة عليه ثم يخير في الرضا والرد عليك، فإن رده رددته على البائع الأول إن شئت، وإن رضي فعن مالك‏:‏ لا رجوع لك بعت بأقل من الثمن أم لا، وعنه‏:‏ إن بعت بأقل رجعت بالأقل من تمام الثمن أو قيمة العيب من ذلك الثمن، وإلا فلا، قال أشهب‏:‏ إن لم ترده على البائع الأخير فلك رده على الأول، ثم لا رجوع لك على البائع الأخير؛ لأخذك الأول بالعهدة، وإن اشتريت من المشتري منك بأقل مما اشتراه منك فله الرجوع عليك بتمام ثمنه لا بالأقل؛ لأن له رد عليك وهو الآن في يديك، ولو باعه من غيرك بأقل مما ابتاعه منك فرضيه مبتاعه لم يرجع عليك إلا بالأقل، ولو وهبه المبتاع منك لك وتصدق به عليك لرجع بقيمة العيب من الثمن الذي منه به ثم لك رده على بائعك الأول، ولو ورثته من مبتاعه منك رددته على البائع الأول؛ لأن ما وجب للميت ورثته‏.‏

فرع‏:‏

في الكتاب‏:‏ لا يمكن للمبتاع من تحليف البائع أنه باع سليما حتى يعين عيبا فيتعين الحلف عليه، فإن كان ظاهرا رده من غير يمين، أو ممكن الحدوث عندهما حلف البائع في الظاهر على البت وفي الخفي على العلم؛ لأن غير ذلك يعيب، فإن أحلفه عالما ببينة فلا قيام له بها، وإلا فله القيام، وإن أبق العبد بقرب العقد فليس له تحليفه أنه ما أبق عندك لعدم نفي سبب اليمين‏.‏

فرع‏:‏

قال اللخمي‏:‏ يرجع إلى أهل المعرفة في تنقيص العيب لثمن، وفي قدمه، قال محمد‏:‏ ولابد من رجلين عدلين عارفين، وتقبل المرأتان في عيوب الفرج والحمل وما لا يطلع عليه الرجال، واختلاف أهل المعرفة ساقط مع استواء العدالة إلا أن يشترط عند العقد حسا فيكون الاختلاف عيبا، ويصدق البائع

في المشكوك فيه؛ لأن الأصل‏:‏ السلامة، فإن وجد قديما ومشكوكا صدق المشتري في المشكوك؛ لأنه يرد بالقديم، ويغرم في المشكوك على تقدير الحدوث عنده فهو مدعى عليه الغرم، بخلاف انفراده، وقاله ابن سهل، وقال ‏(‏ح‏)‏ و‏(‏ش‏)‏‏:‏ القول قول البائع؛ لأن الأصل سلامة المبيع عليه، وهاهنا تعارض أصلان‏:‏ سلامة ذمة المشتري من الغرم، وسلامة المبيع عند العقد، فاختلف العلماء أيهما يغرم، فإن قال المشتري‏:‏ المشكوك حادث فأنا أمسك وآخذ الأرش، وقال البائع‏:‏ قديم، فإما أن تمسك بغير شيء أو ترد صدق البائع على قول ابن القاسم؛ لأنه مدعي عليه الأرش، وصدق المشتري مع يمينه على قول ابن وهب؛ لأن الأصل‏:‏ السلامة منه عند العقد، ومتى قلنا‏:‏ يصدق فله اليمين على الآخر، وهذه المسألة أصل في رد إيمان التهم؛ لأنهما في حال الدعوى مستويان في الشك، وقال أشهب‏:‏ يحلف البائع في الظاهر والخفي على العلم؛ لأنه لا يقطع بحدوثه، وقال محمد‏:‏ إذا باع ثم اشترى من المشتري بأقل من الثمن، ثم وجد مشكوكا فيه، وأحب التمسك فاليمين على البائع الأول، فإن نكل حلف الآخر وارتجع بقية الثمن، فإن أحب الرد حلفا جميعا، فإن نكل البائع الأول حلف الآخر وارتجع بقية الثمن، فإن حلف الأول ونكل الآخر ردها عليه وأخذ الثمن، وإن شك هل كان عند المشتري أو عند البائع، فإن شك هل حدث عند البائع قبل البيع أو في العقد الثاني أو عند المشتري يحلف البائع على أنه لا يعلم أنه كان عنده قبل ولا حدث بعد أنه لا يعلم حدوثه عنده ويبرآن، فإن نكل البائع عن الوجهين حلف المشتري ورجع على البائع بنقص الثمن، فإن حلف ونكل المشتري كان للبائع الرد عليه ويرجع بالثمن ولا يغرم شيئا، وإن حلف البائع أنه لا يعلمه في الصفقة الأولى ونكل عن أنه لا يعلمه حدث في الآخرة لم يغرم ولا يرد ولا يمين على المشتري؛ لأنه نكل، واليمين لا ترد على من نكل عنها‏.‏

وفي كتاب محمد‏:‏ إذا شهد شاهد على تقدم العيب عند البائع حلف المشتري على البت، وإن كان العيب مما يخفى قال أصبغ‏:‏

إن نكل حلف البائع على العلم، وقال محمد‏:‏ على البت؛ لأنها اليمين التي نكل عنها المشتري، قال‏:‏ وليس بالبين، وأرى إن كانت الشهادة على قدمه، وعلى علم البائع، وقال المشتري‏:‏ هو اعترف عندي بذلك كانت يمين المشتري على البت وردها على البت؛ لأنه يدعي اليقين، وإن قال الشاهد‏:‏ لا أعلم علم البائع، وقال المشتري‏:‏ لا علم لي سوى قول الشاهد لم يحلف مع شاهده على الصحيح؛ لأنه يكلف اليمين على البت، ولا علم عنده بل اليمين من جهة البيع هاهنا كأنه لم يشهد شاهد، وإن قال الشاهد‏:‏ علم بذلك البائع، ولا علم عند المشتري من صدقه كانت اليمين في جهة البائع يحلف على البت في تكذيب الشاهد، وعلى العلم في قدم العيب، فإن حلف عن العيب وحلف على تكذيب الشاهد رجعت اليمين على المشتري على العلم كما لو شهد شاهد، فإن نكل عن تكذيبه رد البيع ولم يرد الثمن، وإن قطع المشتري بصدق الشاهد ولم يقطع بمعرفة البائع حلف على البت، فإن نكل حلف البائع على العلم، وإذا قال البائع للمشتري‏:‏ احلف إنك لم تر العيب ولم تبرأ منه، قال ابن القاسم‏:‏ لا يمين عليه إلا أن يدعي أنه أراه إياه لعدم الجزم بالدعوى التي يترتب عليها اليمين، فإن ادعى مخبرا أخبره أنه رآه ورضيه، أو به قال ابن القاسم‏:‏ يحلف لاستناد الدعوى إلى سبب، وقال محمد‏:‏ لا يمين عليه في تكذيب يتوصل إلى يمين لا يستحقها، ويمكن احضار المخبر فيحلف معه إن كان عدلا، أو يكون لطخا إن كان حسن الحال، وليس بلطخ إن كان ساقط الحال، قال ابن القاسم‏:‏ لا يمين للبائع على المشتري إلا ان يكون مما لا يخفى مثله كقطع اليد والعور، قال اللخمي‏:‏ العور بذهاب النور مع بقاء العين فيرد به وإن طال وبطمس العين لا يرد به، فإن قرب إلا بقرب الشراء، ولذلك قطع اليد إن قلب يديه، وإن قال‏:‏ لم ير العبد هذه اليد حلف فيما قرب، قال

مالك‏:‏ إن اشترى من بعض النخاسين غلاما فأقام عنده ثلاثة أشهر حتى صرع حاله لا يردون؛ لأن هؤلاء يشترون، إن وجدوا ربحا باعوا وإلا خاصموا، فأرى أن يلزموا ما علموا وما لم يعلموا، قال ابن القاسم‏:‏ يحلفون في الخفي ويلزمون الجلي‏.‏

فرع‏:‏

في الجواهر‏:‏ إذ لم يوجد من يعرف العيوب من أهل العدالة قبل غيرهم، وإن كانوا مسلمين لا طريقة للخبر بما ينفردون بعلمه‏.‏

فرع‏:‏

قال‏:‏ ويحلف البائع أني بعته، ويريد فيما فيه حق تقوية، واقبضته وما به عيب‏.‏

فرع‏:‏

قال‏:‏ حيث كان له الرد فصرح بالرد، ثم هلك المبيع قبل وصوله إلى يد البائع، فأيهما يضمنها‏؟‏ أقوال ثالثها‏:‏ إن حكم به حاكم فمن المبتاع، ويلاحظ هاهنا هل الرد بالعيب نقض للعقد فيكون من البائع أو ابتداء بيع فيكون من المشتري على الخلاف في اشتراط قدر التسليم، هذه عبارة المتقدمين، ويقول المتأخرون‏:‏ هل هو نقض للبيع من أصله فيكون من البائع أو من جنبه‏؟‏ قال‏:‏ ولعل هذا الخلاف مع وجود الحكم ينظر إلى صفته هل هو حكم بتخير المشتري فيكون الضمان منه، أو بالرد فمن البائع‏؟‏ قال صاحب البيان‏:‏ قال أصبغ‏:‏ يدخل العيب في ضمان البائع بمجرد الإشهاد على العيب، وعدم الرضا، والذي يأتي على قول مالك في الموطأ‏:‏ أيرضى البائع بقبض المعيب أو قبوله عند الحاكم إن لم يعلم‏؟‏ وقيل‏:‏ لا يكفي الثبوت حتى يحكم بالرد ولا خلاف في الدخول بعد الحكم ولو رضي البائع بالقبض وامتنع المبتاع حتى يرد الثمن فهلك جرى على الخلاف في المحبوسين بالثمن، وقال ‏(‏ش‏)‏‏:‏ لا يفتقر

الرد إلى حضور البائع ولا رضاه ولا حكم حاكم قبل القبض ولا بعده‏.‏

وقال ‏(‏ح‏)‏‏:‏ قبل القبض يفتقر إلى حضوره دون رضاه، وبعد القبض يفتقر إلى رضاه؛ لأن ملكه تم على الثمن، فيتقرر نقله عنه إلى رضاه لو حكم حاكم، وجوابه‏:‏ أنه رفع مستحق بالعقد، فله الاستقلال به كالطلاق‏.‏

سؤال‏:‏ كيف يستقيم قولنا‏:‏ نقض العقد من جنبه، أو من أصله، والرافع يستحيل رفعه‏؟‏ وهذه العبارة عند غيرنا من المذاهب، فإن قلت‏:‏ المراد رفع الآثار، قلت‏:‏ الآثار واقعة أيضا يستحيل رفعها، فيتعين أنه رفع الآثار دون العقد‏.‏

جوابه‏:‏ إن معنى قولنا‏:‏ من أصله أي‏:‏ أنا حكمنا الآن بعدم دوام تلك الآثار، وبأن الموجود منها معدوم تقديرا لا تحقيقا‏.‏

وشأن الشرع في التقديرات إعطاء الموجود حكم المعدوم، كالنجاسة مع الضرورة، والضرر اليسير، ونظائره كثيرة، وإعطاء المعدوم حكم الموجود كتقدير الملك سابقا في العتق على العتق، وتقدير ملك الدية سابقا على الموت حتى يصح إرثه‏.‏

فرع‏:‏

قال ابن يونس‏:‏ قال مطرف‏:‏ يعاقب الغاش؛ لمعصيته لقوله عليه السلام‏:‏ ‏(‏من غشنا فليس منا‏)‏ ولا تفارق مناعة؛ لأن مال العصاة معصوم إلا يسير اللبن ويسير الخبز يتصدق به عليه؛ لأن التأديب بالأموال ترويج كالكفارات، ولا يرد إليه الزعفران المغشوش ونحوه، بل يباع عليه خشية أن يدلس بثمرة أخرى، ويرد إليه من كسر من خبز، قال مالك‏:‏ ويقام من السوق‏.‏

فرع‏:‏

قال‏:‏ قال مالك‏:‏ لا يخلط القمح بدونه، ويعاقب الفاعل‏.‏ وكذلك

القمح بالشعير؛ لأن الناس ينفرون من ذلك إذا اطلعوا عليه بخلاف المتأصل، وكذلك جميع أنواع الطعام إلا التمور في الحائط عند الجذاذ؛ لأنه العادة، فإن خلط القمح بالشعير لعياله كره مالك بيع فضلته، وكذلك غيره، وخففه ابن القاسم إذا لم يتعمد، وقال ابن القاسم‏:‏ بيع الجزار الهزيل بالسمين، والمشتري يرى ذلك ويجهل هذا من هذا كالشراء بالدرهمين بخلاف عشرين رطلا؛ لأنه خطر، قال‏:‏ قال سحنون‏:‏ يجوز صب الماء على العصير لئلا يصير خمرا، قال صاحب البيان‏:‏ لا يحل خلط لبن بقر وغنم، وأن يبينه للمشتري؛ لأنه غش، قاله ابن القاسم، ومنع خلط القمح بالشعير منه سدا للذريعة، فإن بين مضى، وإلا فله الرد، ويلزمه تبين مقدارهما‏.‏

فرع‏:‏

في الكتاب‏:‏ إذا بعت من البائع مثل الثمن، فلا يرجع في تدليس ولا غيره؛ لأنك عاوضت على السلعة سليمة، أو بأقل قبل علمك رجعت بتمام الثمن، دلس أولا لتعين الضلالة، أو بأكثر، فلا رجوع للبائع عليك إن دلس، وإلا فله الرجوع وأخذ الثمن، ثم لك رده عليه، أو تتقاصان إن شئتما، وإن بعته ثم علمت بالعيب فالخيار للبائع لضرر الشركة في غرم نصف قيمة العيب، أو يأخذ نصف المعيب بنصف الثمن ولا شيء عليه للعيب، قال صاحب النكت‏:‏ إن رد على المشتري نصف العبد بالعيب وكان البائع غرم نصف قيمة العيب مثله أخذه من المشتري لذهاب ضرر الشركة، وللمشتري رد المبيع وأخذ الثمن، وعند أشهب‏:‏ إذا باع بأقل من نصف الثمن بالأقل من تمام نصف الثمن أو نصف قيمة العيب، ولو باع نصفه ووهب نصفه رجع في الموهوب بنصف قيمة العيب على القولين، فإن وهب نصفه وبقي نصفه بيده وجب له الرجوع في الموهوب بنصف قيمة العيب، ويخير البائع بين غرم نصف قيمة العيب، وبين أخذ نصف العبد، ويرد نصف الثمن‏.‏

فرع‏:‏

قال اللخمي‏:‏ القيام بالسرقة والإباق على أربعة أوجه فنقول‏:‏ المشتري يمكن أن يكون عبدك فاحلف لي، ولم نطلع منك على ذلك، أو أخبرت بذلك، أو فعل ذلك عندي وأخبرت بحدوثه عندك، أو علمت بحدوثه ذلك عندك، فعليه اليمين هاهنا للجمع بين دعوى العلم وثبوت ذلك، ولا يمين في القسم الأول ولا خلاف في هذين، واختلف فيما عداهما يحلفه ابن القاسم؛ لأنه أمر ممكن، وخالفه أشهب سدا لاتساع الدعاوي على البائعين، فإن قال العبد‏:‏ كنت أبقت عند البائع، قال مالك‏:‏ يحلف البائع؛ لأنه لطخ‏.‏

فرع‏:‏

في الكتاب‏:‏ إذا ظهر بأحد الخفين، أو المصراعين ونحوه مما لا يفترق رد الجميع أو يرضى بهما؛ لأن تفريقهما ضرر، وقاله الأئمة‏.‏

قال‏:‏ يرد السمسار الجعل في الرد لعدم حصول المقصود، قال صاحب النكت‏:‏ إلا أن يدلس لدخول المدلس على ذلك، قال أبو الحسن‏:‏ إلا أن يدلس السمسار معه فيرد لدخوله هو أيضا على ذلك، قال ابن يونس‏:‏ قال سحنون‏:‏ هذا إذا زدت على البائع كرها، أما لو قبل باختيار السمسرة، ولو استحقت من المشتري ثم ظهر فرجع بقيمة ما نقصه رجع أيضا على السمسار بما ينوب ما دفع البائع من قيمة العيب، وإن رد بطوعه لم يرجع، وإن حدث بيد المبتاع عيب مفسد واطلع على عيب قديم فرجح بقيمته رد السمسار من الجعل ما ينوب العيب؛ لأنه جزء السلعة‏.‏

فرع‏:‏

في الكتاب‏:‏ إذا قال البائع‏:‏ المردود غير المبيع، صدق المبتاع إن كان المردود يشبه الثمن وإلا صدق البائع، قال صاحب البيان‏:‏ قال ابن القاسم‏:‏ إن قال‏:‏ الثمن عشرة، وقال البائع‏:‏ خمسة أو عرض صدق مع يمينه؛ لأنه غارم إلا أن

يأتي بما لا يشبه، فإن أتيا جميعا بما لا يشبه رد البائع القيمة يوم قبض السلعة معينة، قال‏:‏ وهو مشكل، فإن الثمن إنما كان له وهو صحيح، وذلك أيضا بعد إيمانهما، أو نكولهما جميعا، فإن حلف أحدهما ونكل الآخر، صدق الحالف، وإن أتى بما لا يشبه؛ لأن صاحبه كذب دعواه بنكوله‏.‏

فرع‏:‏

في الكتاب‏:‏ إذا علم الرقيق صنعة ترفع قيمته، ثم ظهر على عيب فله الرد، أو يحبس ولا شيء له؛ لأنه إنما علم لنفسه فليس له لزام ذلك لغيره، وأما الصغير يكبر، والكبير يهرم ففوت، ويرجع بقيمة العيب؛ لأن هذه عين أخرى، قال ابن يونس‏:‏ قال بعض القرويين‏:‏ كان يجب في التعليم الإمساك والرجوع بقيمة العيب لما انفق في التعليم، وقد قال أشهب‏:‏ إذا اعتق فرد العتق للدين ويبيع فيه، ثم أيسر، ثم أعدم، ثم ظهر على عيب كان عند البائعالأول، فله قيمة العيب، ولا يرده لضرره بالعتق عليه‏.‏

فرع‏:‏

في الكتاب‏:‏ إذا زوجها فله الرد وما نقصه التزويج، وليس للبائع فسخ النكاح؛ لأن النكاح صحيح لا يبطله إلا الطلاق، والبائع أذن في التصرف، فإن ولدت فالولد يجبر النقص فلا شيء عليه، وقال غيره‏:‏ لا يجبر النقص بالولد كما جبرها‏.‏

فرع‏:‏

قال اللخمي‏:‏ إذا خاطه وأحب الإمساك، له الرجوع بالعيب، وإن أحب الرد لم يرد للقطع شيئا في التدليس وكان شريكا بالخياطة بقيمة الخياطة يوم الرد؛ لأنه يوم تحقق الشركة إن زادت الخياطة وإلا فلا، وقيل‏:‏ قيمة الخياطة لا بما زادت وهو فرع الفسخ هل من جنس العقد أو من أصله‏؟‏ وفي غير المدلس يقدم ثلاثة قيم‏:‏ غير معيب، ومعيبا ومقطوعا مقيما مخيطا، فإن قيل‏:‏ الأول مائة،

والثاني تسعون، والثالث ثمانون رد عشر ثمنه، وإن قيل‏:‏ تسعون فلا شيء عليه؛ لأن الخياطة جبرت القطع، وإن قيل‏:‏ مائة كان شريكا بعشرة، هذا إذا لم يتغير سوقه، فإن صبغه ولم يقطعه وأحب التمسك أخذ قيمة العيب، كان البائع مدلسا أم لا، وإن رد كان شريكا لما يزيده الصبغ يوم الرد في المدلس وغيره؛ لأن أثر التدليس في التنقيص لا في الزيادة‏.‏

ووافقنا ‏(‏ح‏)‏ وقال ‏(‏ش‏)‏ وابن حنبل‏:‏ يبطل الرد؛ لأن الصبغ عقد معاوضة فلا يجبر البائع عليه إلا برضاه‏.‏

وجوابه‏:‏ لابد من أحد الضررين‏:‏ إما إلزام المشتري معيبا لم يدخل عليه أو إلزام البائع معاوضة لم يرضها، وهو أولى أن يحمل عليه لتقدم حق المشتري بالعقد، فإن نقصه لم يغرم للتنقيص في التدليس، والا غرم، والاعتبار بالزيادة والنقص يوم العقد، فإن نقص يوم العقد غرم، وإن لم ينقص يوم الرد، وإن زاد يوم العقد ونقص يوم الرد، فلا غرم؛ لأنه لورده ذلك اليوم بريء‏.‏

فرع‏:‏

في الجواهر‏:‏ إذا باع حليا، بخلاف جنسه نقدا فوجده معيبا يجوز دفع الأرش للمشتري من جنس المبيع أو من سكة الثمن عند ابن القاسم وأشهب، ويمتنع ما يخرج من جنس المبيع أو سكة الثمن عند ابن القاسم، وأجازه أشهب؛ لأنه دفع ظلامه لا معاملة مقصودة، وقال سحنون‏:‏ يمنع الصلح فيها مطلقا؛ لأنه كصرف مستأخر‏.‏

النظر الثالث في الموانع المبطلة للخيار

وهي قسمان‏:‏

القسم الأول‏:‏ يبطل الرد مطلقا وهو أربعة‏:‏ المانع الأول‏:‏ البراءة من العيوب عند العقد من العيوب القديمة التي يجهلها البائع، ويخشى أن يلزمه، قال صاحب التنبيهات‏:‏ لمالك وأصحابه فيها عشرة أقوال، له منها سبعة، منها في الكتاب ستة، وله في الموازية‏:‏ يجوز في الرقيق خاصة، وبيع السلطان في

التفليس والمغنم بيع براءة‏.‏

الثاني‏:‏ القديم في المدونة البراءة بالتفليس يبيع عليهم السلطان الرقيق دون الشرط والميراث‏.‏ الثالث في الموطأ تختص بالحيوان والرقيق، الرابع‏:‏ في كتاب محمد‏:‏ لمالك‏:‏ يختص بالتافه من الثياب والحيوان‏.‏ الخامس‏:‏ له في كتاب ابن حبيب‏:‏ يعم الرقيق والحيوان وكل شيء‏.‏

السادس‏:‏ في الواضحة بما طالت إقامته عند البائع واختبره، السابع‏:‏ الذي رجع إليه في المدونة أنها لا تنفع مطلقا، وقيل‏:‏ لا يختلف في بيع السلطان أنه بيع براءة، قاله ابن أبي زيد وغيره، وتأولوا لفظ المدونة، الثامن‏:‏ يصح بشرط بل يوجبها الحكم في بيع السلطان وأصل الميراث، التاسع‏:‏ في المدونة‏:‏ يختص بالرقيق دون غيره، العاشر‏:‏ قال ابن حبيب‏:‏ تكون في الرقيق وغيره من الحيوان والعروض في بيع الطوع دون بيع السلطان والمواريث، وفي الجواهر‏:‏ المشهور الانتفاع بالبراءة، وروي عن مالك‏:‏ قدم النفع، ومن المتأخرين من يحكي هذه الرواية مقيدة، ويقول‏:‏ لم يختلف قوله في جوازه في اليسير وبيع السلطان وعهدة الثلاث والسنة، ومذهب المدونة تخصيصا بالرقيق، وقال ‏(‏ح‏)‏‏:‏ تصح في كل شيء من الحيوان وغيره ما علمه البائع وما لم يعلمه، وحكى عن الشافعي أربعة أقوال، كقول ‏(‏ح‏)‏ ولا ينتفع في شيء من الأموال، ويختص نفعها بالديون الباطنة من الحيوان المجهول للبائع، والمشهور‏:‏ أنه لا يبرأ عنده إلا ما أعلم دون ما لم يعلم به، وقاله ابن حنبل، وقد روى مالك في الموطأ أن ابن عمر رضي الله عنهما باع غلاما له بثمانمائة درهم بالبراءة، فقال الذي ابتاعه لعبد الله بن عمر‏:‏ بالغلام داء لم تسمه لي، فاختصما إلى عثمان بن عفان، فقال الرجل‏:‏ باعني عبدا وبه داء لم يسمه، وقال عبد الله‏:‏ بعته بالبراءة، فقضى عثمان على عبد الله بن عمر أن يحلف له‏:‏ لقد باعه العبد وما به داء يعلمه، فأبى عبد الله أن

يحلف، فارتجع صحيحا وسقيما‏.‏

فرع‏:‏

شرط البراءة حسما للخصومة، والفرق بين الناطق وغيره على الخلاف أن الناطق يكتم عيبه كراهة في المشتري أو البائع، بخلاف غير الناطق لا تخفى أحواله أو يخالطه نهيه عليه السلام عن بيع الغرر والمجهول، والبيع بالبراءة يقتضي الجهل بعاقبة المبيع، ولأنه خيار فسخ فلا يجوز إسقاطه بالشرط كاشتراطه إسقاط خيار الرؤية في بيع الغائب، وقال الحنفية‏:‏ الأصل يقتضي أن لا يرد بالعيب مطلقا؛ لأنه إذا قال‏:‏ بعتك هذا فالعقد إنما تناول الموجود دون المعدوم، لكن العرف اقتضى السلامة من العيوب، فكان كالشرط فيرجع بالعيب استدراكا لظلامه، فإذا اشترط الأصل فقد صار الأصل مقصودا بلسان المقال الذي هو مقدم على العرف، فإن كل عادة صرح بخلافها، لا تعتبر ورد عليهم النهي عن الغرر والمجهول، وعن التدليس والغش والاستدلال بماله السنة باطل، وقالوا‏:‏ أجزاء المبيع وصفاته حق للمتعاقدين فلهما إسقاطهما كسائر حقوق الأدميين، قلنا‏:‏ العلم بأجزاء جزاء المبيع وصفاته حق الله تعالى، فلا يجوز للعبد إسقاطه بالشرط كحد الزنا والسرقة، قالوا‏:‏ ولو كان العلم شرطا لما جاز البيع‏.‏

وهو خلاف الإجماع، قلنا‏:‏ التعاين في الأثمان معتاد، والتدليس حرام بالنص فهذه مدارك الحنفية، وأما بيع السلطان وغيره فيلاحظ لدعوى الضرورة لذلك لتحصيل المصالح من تنفيذ الوصايا ووفاء الديون، فلولا البراءة

لم تستقر المصالح، وعن نقض ذلك على الأئمة ليكون ذلك عليهم، ولذلك يضمنهم بالشرع ما أتلفوه بالخطأ في الأحكام من مال، أو نفس لئلا ينفر الناس من ولاية الأحكام لعظيم الضرر‏.‏

قاعدة‏:‏ الحقوق ثلاثة حق لله محض، وحق للعبد محض، وحق مختلف فيه هل يغلب حق الله أو حق العبد، فالأول كالأيمان، والثاني كالنقود والأيمان، والثالث كحد القذف، واختلف فيه هل يتمكن المقذوف من إسقاطه كالدين أم لا‏؟‏ كالصلاة والصوم، ونعني بحق الله تعالى‏:‏ أمره ونهيه، وبحقوق العبد‏:‏ مصالحه، ونعني بحق العبد المحض‏:‏ هو الذي غلب فيه حقه فيتمكن من إسقاطه، وإلا فما منحق للعبد إلا وفيه حق لله تعالى، وهو أمره بإيصال ذلك الحق إلى مستحقه‏.‏

قاعدة‏:‏ الغرر ثلاثة أقسام‏:‏ متفق على منعه في البيع، كالطير في الهواء، ومتفق على جوازه كأساس الدار، ومختلف فيه هل يلحق بالقسم الأول لعظمه أو بالقسم الثاني لخفته، أو للضرورة إليه، كبيع الغائب على الصفة، والبرنامج، ونحوهما‏؟‏ فعلى هاتين القاعدتين يتخرج الخلاف في البراءة فأ ‏(‏ح‏)‏ يرى إن كان المبيع معلوم الأوصاف حق للعبد، فيجوز له التصرف فيه وإسقاطه بالشرط، وغيره يراه حق الله تعالى، وأنه حجر على عباده في المعاوضة على المجهول و‏(‏ح‏)‏ يرى أن غرر العيوب في شرط البراءة من الغرر المغتفر لضرورة البائع لدفع الخصومة عن نفسه، وغيره يراه من الغرر الممنوع؛ لأنه قد يأتي على أكثر صفات المبيع فتأمل هذه المدارك فهي مجال الاجتهاد، وإذا نظر أيها أقرب لمقصود الشرع وقواعده فاعتمد عليه، والله هو الهادي إلى سبيل الرشاد‏.‏

تفريع‏:‏ في الجواهر‏:‏ المشهور أنها لا تنفع من لا يختبر ملكه قبل البيع

إذهاباً للجهالة بالمبيع، وقال عبد الملك‏:‏ تنفع، وإذا تبرأ من عيب ذكره في جملة عيوب ليست موجودة لم تنفعه؛ لأن ذلك يوهم عدمه، بل حتى تبين موضعه وجلسه ومقداره ظاهراً أو باطناً، ولا يمكن الاقتصار على مشاهدة لا تقتضي الإحاطة أو لفظ يحتمل كما لو أراد دبرة وهي معدلة، ولم يذكر بغلها، وكذلك الذي يتبرأ من السرقة والإباق، والمبتاع يظن قرب ذلك أو قلته وهو كثير، فلابد من بيان ذلك مفصلاً، وبيع الورثة لقضاء الديون وتنفيذ الوصايا هو مراد بيع الميراث، أما بيعهم لانفصال بعضهم من بعض كبيع الرجل مال نفسه لعدم ضرورة تنفيذ المصالح، وكذلك البائع للإنفاق على الورثة، وإذا قلنا‏:‏ بيع السلطان بيع براءة فظن المشتري أنه كبيع الرجل مال نفسه خير بين التمسك على البراءة أو الرد، وقيل‏:‏ لا مقال له حمل هذا على أنه ادعى ما لا يشبه؛ لأن بيع السلطان لا يخفى غالباً لكونه لا يكون إلا في جمع‏.‏

وفي الكتاب‏:‏ يمتنع بيع الرائعة بالبراءة من الحمل إلا أن يكون ظاهراً من غير السيد؛ لأنه نقص فيها بخلاف الوخش، فإنه ربما زاد في ثمنه، وإذا باع السلطان عند المفلس وقسم الثمن بين غرمائه، لم يرده المبتاع بالعيب القديم؛ لأنه بيع براءة إلا أن يعلم أن المديان كتمه فيؤخذ الثمن من الغرماء إن كان الآن معدماً ثم يباع لهم ثانية، فإن نقص ثمنه عن حقهم اتبعوه، وإن كان ملياً أخذ منه، فإن كان أعتقه أولا كان الآن حراً؛ لأن رد العيب منع البيع الأول من التمام فينفذ العتق، ولو حدث به عيب آخر عند المبتاع كان له حبسه وأخذ قيمة العيب في ماله، ومن الغرماء في عدمه، أو يرده وما نقصه العيب في ملك البائع، أو يباع للغرماء في عدمه‏.‏

فرع‏:‏

قال اللخمي‏:‏ إذا قال‏:‏ به كذا وكذا عيب، وذكر العيب الواقع معها لم

ينفعه، وكذلك لو أفرده حتى يقول ذلك به، قال‏:‏ وأرى إذا أفرده أن يبرأ وإن لم يقل ذلك به؛ لأن التلفيق إنما لم ينفعه؛ لأن النحاسين يفعلون ذلك فيما ليس به عيب احتياطا، فلا ينقص الثمن لأجله‏.‏

فرع‏:‏

قال‏:‏ لا تنفع البراءة فيما علمه السلطان، أو الوصي، وللمشتري الرد على الغرماء؛ لأنه تدليس‏.‏

فرع‏:‏

قال‏:‏ إذا وجد عيبا قديما بالمبيع بالبراءة له تحليف البائع أنه لم يعلمه، فإن نكل رد عليه‏.‏

قال محمد‏:‏ قال مالك‏:‏ وإن شرط، ولا يمين عليه كان له شرطه إلا أن يكن العيب مما لا يخفى على البائع، اختلف في المشكوك، وقال ابن حبيب‏:‏ لا يمين عليه في الخفي ولا في الظاهر لعدم تعين سبب اليمين، وقال ابن القاسم‏:‏ يحلف، فإن نكل ردت من غير يمين المشتري؛ لأن الأصل الرد بالعيب، والقيام بموجب العقد‏.‏

فرع‏:‏

قال‏:‏ إن اشترى على البراءة، وباع على العهدة، ولم يخير بذلك قال مالك‏:‏ للمشتري الرد؛ لأن البراءة توهم العيب، وعنه‏:‏ خلافة لعدم تعين العيب، قال مالك‏:‏ لا يبع بالبراءة من اشترى على العهدة؛ لأنه ضمن للمشتري بالعيب، ويرجع به هو على بائعه فكأنه أخذ ثمني،ن فكذلك إذا اشترى بعهدة الثلاث، ثم باع من يومه بالبراءة فيموت في الثلاث، ويرجع على البائع‏.‏

قال ابن القاسم‏:‏ إذا اشترى بالبراءة، وباع بالعهدة فوجد الثالث عيبا رده على الأوسط، وعلى الأول اليمين، وقال في عبد تناوله ثلاثة نفر بالبراءة فوجد الأخير عيبا كان عند الأول، حلف الوسط‏:‏ ما علمه وليس بين الأول والآخر شيء لعدم المعاملة‏.‏

فرع‏:‏

لم يختلف في علي الجواري أنهن لا يبعن على البراءة في بيع السلطان غيره، إلا أن يكون ملك امرأة أو صبي أو منفعة السبي خشية توقع الحمل‏.‏

فرع‏:‏

قال صاحب النكت‏:‏ قال ابن حبيب‏:‏ إنما تجوز البراءة في الرقيق بعد طول اختباره، فإن لم تطل إقامته عنده ولا اختبره كره له؛ لأنه يشبه المخاطرة، قال أصبغ‏:‏ فإن وقع مضى‏.‏

فرع‏:‏

قال ابن حبيب‏:‏ وبرئ من كل عيب لم يعلمه، وإن أتى ذلك على جل الثمن عند مالك وأصحابه إلا المغيرة، قال‏:‏ إلا أن يجاوز الثالث‏.‏

فرع‏:‏

قال اللخمي‏:‏ فلو لم يذكر قدر العيب ولا تفصيله قال ابن القاسم‏:‏ البيع جائز، وإن كان قليلا لزم المشتري، وقال أشهب‏:‏ يفسد للغرر‏.‏

فرع‏:‏

قال ابن يونس‏:‏ حوريا البراءة فيجوز أن توضع بعد العقد بدينار، ويرجع بالعيوب؛ لأنه الأصل‏.‏

فرع‏:‏

قال صاحب المنتقى‏:‏ لم أر لأحد من أصحابنا ضابط ما تدخله البراءة، وضابطه‏:‏ أنها تدخل في كل عقد معاوضة ليس من شرطه التماثل احترازاً من

القرض، فإن من شرطه التماثل، واشتراط البراءة فيه، وفي القضاء يمنع التماثل لجواز أن يكون بأحدهما من العيوب ما ليس في الآخر، والحيل بالتماثل كالتفاضل‏.‏

فرع‏:‏

قال‏:‏ ومقتضى اختصاص البراءة إذا وقعت في الحيوان أن يفسخ، والمنقول عن مالك صحة البيع وبطلان الشرط، وقال أشهب‏:‏ لا أفسخه في الحيوان، وأفسخه في العروض إلا أن يطول‏.‏

فرع‏:‏

قال‏:‏ إذا قلنا‏:‏ بيع السلطان في المغنم والميراث والتفليس بالبراءة، فباع ولم يبين أن المبيع من ذلك، فعند مالك‏:‏ للمشتري القيام لعدم الرضا بالبراءة، وقال أصبغ بنفيها؛ لأن بيع السلطان وبأسه لا يخفى، وأما بيع الوصي والورثة فلابد من علم المبتاع؛ لأنه قد يخفى‏.‏

فرع‏:‏

قال‏:‏ الذي تقع فيه البراءة خاص وعام، والأول ثلاثة أقسام‏:‏ متفق على جوازه، ومتفق على منعه، ومختلف فيه، فالأول‏:‏ البراءة من حمل الأمة الظاهر، والثاني‏:‏ من حمل أمة أقر البائع بوطئها؛ لأن الإنسان لا يبرأ من ولده، ويفسد العقد على الصحيح للشرط الباطل، وعن مالك‏:‏ لا يفسد، والثالث‏:‏ من حمل الرائعة الذي لم يظهر ولم يقر بوطئها‏.‏ منعه مالك في الدابة لعدم على قول ابن حبيب الجواز، وقاله ‏(‏ش‏)‏ فإن دفع بعد العقد دينار للبراءة منعه مالك في الدابة لعدم تعين العوض، وحصره ابن حبيب في الجارية دون الدابة، كما يجوز شراء طلب العبد بعد العقد، وأما البراءة العامة مما لا يعلم، فتصح عند

مالك في كل عيب إلا حمل الرائعة، كان العيب ظاهرا أو خفيا‏.‏

المانع الثاني‏:‏ فوات العقود عليه حسا بالتلف، أو حكما بالعقد والإستيلاد والكتابة والتدبير؛ لأن الرد بالعيب فرع وجود العين، وحيث لا عين لا رد، وفي الكتاب‏:‏ باع عبدا بثوبين فهلك أحدهما ووجد الآخر معيبا وهو وجه الصفقة رده وقيمة الهالك، وأخذ العبد، فإن فات بحوالة سوق أو تغير بدن، والثاني ثلث القيمة أو ربعه رجع بحصة ذلك من قيمة العبد لا في عينه نفياً لضرر الشركة، ولو كان العيب بالعبد رده مشتريه، فإن كان الحاضر أرفع الثوبين ولم يفت بحوالة سوق أو غيره أخذ مع قيمة الهالك، وإن فات بتغير سوق أو غيره أو لم يفت وليس وجه الصفقة، أسلمه وأخذ قيمة ثوبه ما بلغت، قال ابن يونس‏:‏ قال أبو محمد‏:‏ معنى قوله ثلث القيمة يريد‏:‏ أو النصف، أو الثلثين، فإنه يرجع بحصته من قيمة العيب لا في عينه؛ لأن العبد لما فات وجب الرجوع في قيمته، والقيمة عين فصار الشراء فلا ينظر هل المعيب وجه الصفقة أو لا‏؟‏ قال محمد‏:‏ إن كان المعيب أدنى الثوبين وقد فات الأرفع أم لا والعبد لم يفت، رد المعيب وحده، ورجع بحصته من قيمة العبد لا في عينه لضرر الشركة، وقال أشهب‏:‏ بل في العبد؛ لأنه الثمن، وعلى رأيه‏:‏ لا يراعى وجه الصفقة في العيب؛ لأنه لا يراعى ضرر الشركة ونحوه له، فمن باع جارية بجاريتين قيمتها سواء يرجع في المعيبة بنصف القيمة فاتت أم لا، وقال أشهب‏:‏ يرجع في عينها، قال محمد‏:‏ إن كانت المعينة أرفعها ونقص بدنها ردهما وأخذ جاريته، إلا أن تفوت بسوق أو بدن، فقيمتها يوم خروجها من الإستبراء، وإن لم تفت المعينة لا المنفردة وفاتت الدنية رد المعينة وقيمة الدنية مطلقا لحصتها؛ لنتقاض البيع، ويأخذ جاريته، وإنما يفيت المنفردة عيب مفسد، وإن فاتت المنفردة فقط في سوق أو بدون رد المعينة فقط ورجع بقيمتها من قيمة صاحبتها إن فاتت الدنية فيأخذ تلك الحصة من قيمة المنفردة، وإن لم تفت الدنية ردها مع المعينة وأخذ قيمة المنفردة، وإن فاتت بقيمتها يوم القبض، قال

صاحب التنبيهات‏:‏ جعل في الكتاب‏:‏ تغير السوق مفيتا للعرض المعيب؛ لأنه إذا كان قائما، فإنما يرد بالحكم فأشبه البيع الفاسد، وعنه‏:‏ خلاف ذلك ولا خلاف أن حوالة السوق لا تفيت الرد بالعيب‏.‏

فرع‏:‏

في الكتاب‏:‏ قال ابن حبيب‏:‏ إذا احتلفا بعد ضياع ما يغاب عليه فقال البائع‏:‏ ملكتك فركبت، وقال المبتاع‏:‏ بل منعتني إن علم هلاكه فمن المبتاع، وإلا صدق مع يمينه، إلا أن تقوم بينه على تمكين البائع وامتناع المبتاع، وقاله ابن القاسم؛ لأنه غارم‏.‏

فرع‏:‏

في الكتاب‏:‏ إذا قبض الجارية بعد شهرين وحوالة السوق، ثم ماتت عنده، ثم ظهر عيبها لتقويم العقد لأنه صحيح بخلاف الفاسد، لا يضمن إلا بالقبض، وإن ماتت عند المبتاع أو تعيبت بعد قبض الثمن فضمانها من المبتاع، وإن كان البائع حبسها بالثمن كالرهن، هذا إذا لم يكن فيها مواضعة، وقال عن المحبوس بالثمن من البائع وضمان الجارية من المبتاع، وإن هلكت عند البائع حتى يقضى له بالرد بالعيب أو يبرئه البائع منها، وينفذ عتقها من المبتاع؛ لأنها ملكه، وله الرضا بالعيب دون عتق البائع، بخلاف البيع الفاسد لعدم الملك، إلا أن يعتق المبتاع قبل عتق البائع، فقيمتها ذلك، قال ابن‏:‏ اختلف قول مالك في ضمان العبد إذا لم ينفذ، نظرا إلى أن المحبوس بالثمن كأنه لم يملك أو إلى أن العقد باطل، قال ابن القاسم‏:‏ ولو قبض الجارية ثم أشهد على البائع أنه لم يرض بالعيب ثم ماتت بعد الإقالة أو أصابها عيب فمن المشتري لضمانها بالقبض، وقال محمد‏:‏ من البائع، كما لو استوجب سلعة قريبة

العينة فإنها من المشتري قبل القبض، فإن امتنع البائع من الإقالة فيقضى عليه فمن المشتري؛ لأنه لم يوجب الإقالة على نفسه، وقال مالك‏:‏ أيضا من البائع، قال صاحب التنبيهات‏:‏ قال أشهب‏:‏ إذا أعتق البائع في يد المشترى لا يعتق عليه إذا رجع إليه؛ لأنه في ضمان غيره، فإن كان في يد غيرهما نفذ عتق السابق منهما، وإلا فعتق صاحب صاحب الحوز؛ لأنه أملك به، وقال‏:‏ إذا أشهد المبتاع أنه غير راض بالعيب برئ منه إلا أن يطول الأمر حتى يرى أنه راض‏.‏

فرع‏:‏

في الكتاب‏:‏ إذا تصدق بها أو وهبها لغير ثواب فهو فوت، ويرجع بقيمة العيب لتعلق حق الغير، وإن باعها أو وهبها للثواب أو أجرها أو رهنها فلا يرجع بشيء، فإذا زالت الإجارة أو الرهن فله الرد، فإن تعيبت رد نقصها، وقال أشهب‏:‏ إن افتكها حين علم بالعيب فله ردها، وإلا رجع بما بين الصحة والعيب، قال ابن يونس‏:‏ قال ابن حبيب‏:‏ إذا قرب الأجل في الإجارة أو الرهن نحو الشهر أخر إلى انقضائه، وإلا ففوت، وإن باع مع العلم بالعيب فقد رضيه، وإلا فلم ينقص للعيب، قال مالك‏:‏ لو ادعى بعد البيع العيب لم تكن له المطالبة؛ لأنه لو ثبت لم يوجب عليه شيئا إلا أن يرجع إليه بشراء أو ميراث أو صدقة أو بعيب أو غير ذلك، فله الرد على البائع، وقاله ‏(‏ش‏)‏ وابن حنبل، وقال ‏(‏ح‏)‏‏:‏ ليس له رده إلا أن يكون البيع بحكم حاكم؛ لأنه أسقط حقه من الرد بالعيب فلا يرد ولو رضي به‏.‏

وجوابه‏:‏ أن الرد امتنع لعجزه عنه، ويرد بعد التمكن كما لو امتنع لغيبة البائع، وقال الأئمة لا يرجع قبل الشراء بشيء؛ لأنه استدرك ظلامته بالبيع، وقياسا على زوال العيب كما قال مالك، وقال أشهب‏:‏ إذا رجع بشراء ولم يعلم بعيبه، فله الرد على البائع الأخير؛ لأن عقده يقتضي عهدته، ثم هو مخير في الرضا والرد على المشتري الآن لأن العهدة الآن عليه، فإن رده عليه فله رده على البائع الأول بالأقل من تمام الثمن الأول، أو قيمة العيب، ولو باعه المشتري

الثاني من المشتري الأول بأقل مما اشتراه فله الرجوع على المشتري الأول بتمام ثمنه لا بالأقل؛ لأن له رده عليه وهو الآن في يديه، ولو باعه من غيره بأقل فرضيه مشتريه لم يرجع إلا بالأقل، ولو وهبه من المشتري الأول، أو تصدق به عليه رجع بقيمة العيب من الثمن الذي اشتراه به منه، وللمشتري الأول الرد على البائع الأول وأخذ جميع الثمن الأول، ولا ولا يحاسبه ببقية الثمن الذي قبضه من الواهب؛ لأن الثاني وهبه غيره ولورثة المشتري الأول، فله رده على البائع الأول وأخذ جميع الثمن؛ لأن ما وجب للميت قد ورثه المشتري الأول عنه، قال محمد‏:‏ إن كنت نقصت من الثمن لأجل العيش لظنك حدوثه عندك وتبين عيبه رجعت بالأقل، وقال ابن عبد الحكم‏:‏ بل بقيمته كاملة، قال ابن حبيب‏:‏ إن بعته بالثمن فأكثر ثم رجعت بشراء أو ميراث أو هبة قضي عليك بعدم الرجوع لخروجه بمثل الثمن فلا رجوع، وإلا فلك الرجوع، قال أبو محمد‏:‏ بل لك الرد فضي عليك أم لا، لنتقاض السبب المانع من الرد، ولو فاتت عند المشتري الثاني ورجع عليك فلك الرجوع على البائع الأول بقيمة العيب ما لم تكن أكثر غرم الثالث، فلا ترجع إلا بما غرم الثالث‏.‏

فرع‏:‏

في الكتاب‏:‏ إن ولدت من غيره ردها مع ولدها أو أمسكها؛ لأنه فإن مات ولدها فله ردها والرجوع بالثمن كله؛ لأن الولد غير مبيع إلا أن تنقصها الولادة فيرد نقصها، فإن فاتت لم يكن له رد الولد مع قيمة الأم يوم العقد بغير ولد لهلاك المبيع بجملته، قال أشهب‏:‏ إلا أن يأخذ من القاتل في قيمتها مثل الثمن؛ لأن الرد بالعيب نقض للعقد من أصله فالمأخوذ للبائع يسد عنه مسد الثمن، قال صاحب تهذيب الطالب‏:‏ إذا اشتراها حاملاً فولدت عنده لم يحدث عنده عيب إذا لم تنقصها الولادة، وإذا ردمها ردماً أخذ

الولد من ثمن أو قيمة بخلاف المفلس ببيع الولد، وقال أصبغ‏:‏ يردُّ في العيب من الثمن قدر قيمته كأنه اشتراه مع أمه مولوداً‏.‏ وإن مات الولد ردها ولا شيء عليه فيه، وإن مات أو قتلت رجع بأرش العيب، قال أشهب‏:‏ إلا أن يقول البائع‏:‏ أخذ ما أخذ في الولد من ثمن أو قيمة أو الولد نفسه إن كان باقياً، أو قيمة الأم إن أخذت لها قيمة فذلك له، وإلا فعليه قيمة العيب أو ما نقص من الثمن بعد أن يحسب عليه وما أخذ من قيمة أو ثمن، ويرجع القاتل عليه بقيمة العيب يوم القتل؛ لأنه دفع مقابلة ذلك الوقت إن لم يعلم به، ويضم لقيمة الأم ما أخذ في الولد من ثمن أو قيمة، ويرجع بما بقي على البائع، قال أبو محمد‏:‏ ومعنى قول أشهب في الكتاب‏:‏ إذا قتلت الأم رجع بقيمة العيب إلا أن يكون أخذ في القيمة بمثل الثمن يريد‏:‏ أو كانت القيمة مثل حصة العيب من الثمن؛ لأنه إنما يرجع بالعيب، وقال ابن شلبون‏:‏ بل معناه مثل رأس ماله، قال بعض الشيوخ‏:‏ وقول أشهب خلاف قول ابن القاسم؛ لأنها تقوم على القاتل معيبة فتبقى حصة العيب عند البائع، وقول أشهب في الكتاب‏:‏ إذا ماتت الأم فللبائع أخذ الولد ورد الثمن كله خلاف قول ابن القاسم، بل يرجع بقيمة العيب؛ لأن الولد لو هلك مع بقائها لم يعتبر، ولو جرحت الأمة موضحة ردها، ولا يرد الأرش؛ لأنها لا ينقصها، قال صاحب البيان‏:‏ زيادة المبيع إما في الحال بالصنائع والأموال فليس فوتاً اتفاقاً، أو في العين، وهي ثلاثة أقسام‏:‏ الولد، والكبر، والسمن، ففي الولد قولان ليس بفوت بل له الرد، ورده أو ثمنه إن باعه، وقيل‏:‏ فوت، وفي كبر الصغير وسمن الجواري قولان‏.‏

فرع‏:‏

قال ابن يونس‏:‏ قال ابن الكاتب‏:‏ الهبة للابن الصغير ليس بفوت لقدرته

على الانتزاع، فلا يكون له الرجوع بأرش العيب، وقال ابن حبيب‏:‏ فوت لتعلق حق الأرش‏.‏

فرع‏:‏

قال بعض الشيوخ‏:‏ إذا بلغ بالمرض حد السياق، فأخذ أرش العيب، ثم عجز المكاتب وصح المريض، لا ينقض الحكم، لأن سيبه كان محققاً‏.‏

المانع الثالث‏:‏ ظهور ما يدل على الرضا بالعيب من قول أو فعل سكوت، وهو التقصير عند الاطلاع ومكث من غير عذر فيبطل الرد، والأرش إن كان البائع حاضراً، فإن كان غائباً أشهد شاهدين بالرد، فإن عجز حضر عند القاضي وأعلمه فيكتب للبائع إن قربت غيبته، وإن بعدت تلوم له رجاء قدومه، فإذا لم يرج قدومه قضى عليه أن أثبت المشتري الشراء على بيع الإسلام وعهدته، وفي الكتاب‏:‏ إذا مضى بعد اطلاعه وقت يمكنه الرد فيه، ولكنه لا يعد رضا لقربه كاليوم ونحوه يحلف أنه لم يكن راضياً وله الرد، وقاله ابن حنبل قياساً على القصاص، ولا يخل به التأخير حتى يفهم الرضا، وقال ‏(‏ش‏)‏‏:‏ بل الرد بالعيب على الفور؛ لأن التراخي يدل على الرضا وهو ممنوع، والفعل أن يتصرف في المبيع أو يستعمله بعد علمه بالعيب تصرفاً واستعمالاً لا يقع في العادة إلا برضا بالتمسك، فإن تردد بين الرضا وعدمه لم يقض عليه به؛ لأن الأصل بقاء حقه، هذا هو الضابط، ثم تذكر فروعه‏.‏

فرع‏:‏

في الكتاب‏:‏ إذا قضي على الغائب بالعيب بيعت السلعة وأعطي المشتري الثمن بعد البينة على النقد ومقداره، لاحتمال أن البائع لم يقبض الثمن، وما فضل معمراس أو نقض رجع به المبتاع على البائع، قال اللخمي‏:‏ أرى إذا كانت

العادة البيع على البراءة لم يحكم له بالرد إلا أن يثبت أنه اشتراه على العهدة، وإلا فالأصل العهدة، ويستظهر باليمين، ولا يكلف البينة على نقد الثمن حيث يصدق، وإذا أنكر البائع بأن تكون العادة النقد، أو طال الزمان قبل سفر البائع، أو كان المشتري غريماً وليس للمشتري الرد على تابع البائع؛ لأن التابع الغائب قد يرضى بالعيب إلا أن يكون الغائب معدماً؛ لأنه لو حضر منع من الرضا إذا كانت السلعة لا توفي الثمن كبيع المدبر من التبرع، ولو استحقت كان له القيام على الأول بخلاف العيب؛ لأنه لا يؤثر فيه الرضا لبطلان العقد في أصله، قال ابن يونس‏:‏ قال بعض القرويين‏:‏ إنما تلزم البينة على بيع الإسلام وعهدته إذا امتنع من الحلف، وإلا صدق مع يمينه؛ لأن بيع الإسلام هو الغالب، وإذا أشهد على العيب ثم باعه فليس له مطالبته إذا قدم إلا أن يقضي به السلطان؛ لأن البيع رضا، قال محمد‏:‏ إلا أن يكون في بلد لا سلطان فيه أو سلطان لا يقضي على الغائب فله الرجوع بعد الإشهاد ويتبعه ببقية الثمن، فإن وجد العيب بعد السفر بالدابة في السفر، فروى ابن القاسم عن مالك‏:‏ له ردها؛ لأنه كالمكره بالسفر، وليس عليه في ركونها شيء وتركها بقية السفر، فإن وصلت بحالها ردها، أو عجفت نقصها، أو يحبسها ويأخذ قيمة العيب؛ لأن الاضطرار مبيح مال الغير والسفر ضرورة، وروى أشهب‏:‏ إن حمل عليها بعد علمه لزمته، وإن سافر لغرض عليه في ردها مؤنة أو بثوب فلبسه، فليقم البينة على بيع الإسلام وعهدته، وعدم البراءة يبيعه الإمام على البائع، فإن لم يجد ثلثه فليس له إلا الرضا به أو الرد إلى بلد البائع، وله استخدام العبد دون وطء الأمة؛ لأن الوطء يعتمد الملك المقرر، وهذا بصدد النقص، وللحاضر استخدام الأمة والعبد، ويركب الدابة بعد قيامه إلى القضاء بالرد؛ لأن عليه

النفقة، وفي الجواهر‏:‏ المشهور في العبد والدابة ترك الاستعمال، وأباحه ابن حبيب قياساً على العقار، وعلى المشهور‏:‏ ينزل عن الدابة إن كان راكباً إلا أن يتعذر عليه القود فيعذر بالركوب إلى مصادقة الخصم أو القاضي، وأما الاستعمال المنقص فيمنع كلبس الثوب‏.‏

المانع الرابع‏:‏ ذهاب العيب قبل القيام، ففي الجواهر‏:‏ يسقط القيام إلا أن يبقى علقة، كالطلاق في الزوجين، وكذلك كل مالا يؤمن عوده، اتفق مالك وأصحابه على الطلاق، واختلفوا في الموت، فقال مالك‏:‏ كالطلاق لبقاء العدة، وقد يكون منه ولد لا يعلم، وقال ابن حبيب‏:‏ لبس بعيب للناس، وإن ذهب العيب قبل القيام فلا رد أو بعد العلم فقال ابن القاسم‏:‏ لا رد، وقال أشهب‏:‏ له الرد، وإن ذهب قبل الشراء فلا رد إلا إن لم تؤمن عودته كخدام أحد الأبوين أو الأجداد، قال ابن القاسم‏:‏ إذا اشتراها في عدة طلاق فلم يردها حتى انقضت عدتها فلا رد، قال‏:‏ وكذلك أرى إذا اشتراها بعد حيضة؛ لأنه دخل على أنها توقف حتى تحيض فلا مضرة إلا أن تكون من الوخش؛ لأنها تشترى على أنها تقبض بالحضرة، ويحمل قوله على أنه علم لها زوجاً طلقها لكن يعتقد انقضاء العدة، فلو جهل الزوج كان له الرد وإن انقضت العدة، وتزويج العبد بغير إذن سيده عيب، فإن فسخه السيد قبل الدخول أو طلق العبد؛ لأن تعديه في ذلك يشينه، وإن تزوج بإذن سيده ثم طلق قبل الدخول لم يرد إلا أن يكون العبد تخلق على سيده حتى زوجه، والدين عيب إلا أن يقضيه السيد، قال سحنون‏:‏ إلا أن يستدين في سعة، فإن ذلك خلق يبقى، قال‏:‏ وأرى إن كانت المداينة بغير إذن سيده أن يرد بعد الاسقاط للجرأة على ذلك، وإسقاط الجناية الخطأ يسقط الرد بخلاف العمد، وإذا حدثت الحمى في عهدة الثلاث وذهبت قال ابن القاسم‏:‏ لا رد، وقال أشهب‏:‏ يرد؛ لاحتمال بقاء سببها، قال‏:‏ وأرى أن يستأنى به، فإن استمر بدونه لم يرد، والضابط‏:‏ أم العيب إن كان الغالب عوده، أو أشكل أمره رد استصحاباً

للحالة السابقة‏.‏

فرع‏:‏

قال اللخمي‏:‏ إذا أخبر البائع بالطلاق عند العقد برئ، ولا يطأها المشتري ولا يزوجها حتى تشهد البينة على الطلاق أو الوفاة؛ لثبوت أصل الزواج إذا لم تكن طارئة أو قدمت من موضع قريب يقدر على استعلام ذلك منه، وإن كان بعيداً حلت للسيد والزوج‏.‏

فرع‏:‏

في الكتاب‏:‏ إذا انقطع الول في الفراش له الرد إذ لا يؤمن عوده‏.‏

القسم الثاني من الموانع‏:‏

ما يمنع من الرد على وجه دون وجه، وهو تغيير المبيع، والتغيير ثلاثة أضرب‏:‏ الضرب الأول‏:‏ تغيير يفيت المقصود من العين فيمنع؛ لأنه يصيرها كالمعدومة، لأن المقصود من الأعيان منافعها‏.‏

الضرب الثاني‏:‏ تغيير لا بال له، لا يمنع الرد، ووجوده كعدمه، ففي الكتاب‏:‏ لا يفيد الرد حوالة الأسواق، ولا نماء، ولا عيب خفيف كالرمد والكي والدماميل والحمى والصداع وذهاب الظفر، وله الرد بغير شيء وإن نقصه، وكذلك الأنملة في الوحش، قال ابن يونس‏:‏ الفرق بين هذا وبين البيع الفاسد تفيته حوالة الأسواق‏:‏ دخل المتبايعين على شيء واحد في البيع الفاسد فسوى بينهما في زيادة السوق ونقصه، وهاهنا لم يدخلا على الرد، قال ابن حبيب‏:‏ وكذلك ما حدث عنده من شرب الخمر أو الزنا أو السرقة أو الإباق فقيل‏:‏ يحتمل أن يكون هذا خلافاً لابن القاسم؛ لأن هذه قد تنقصه كثيراً،

والفرق بين البائع يرد عليه بالعيب الخفيف، وبين المشتري‏:‏ أن البائع يتوقع تدليسه، بخلاف المشتري، قال‏:‏ وهذا استحسان، والقياس‏:‏ التسوية فيلحق المشتري بالبائع‏.‏

الضرب الثالث‏:‏ تغيير له بال ولا يخل بالمقصود، فيخَّير بين التمسك وأخذ أرش العيب القديم، أو الرد، وما نقصه العيب الحادث، وفي الكتاب‏:‏ إلا أن يرضى البائع بأخذه معيبا، ويرد جميع الثمن فذلك له، وفي الجواهر‏:‏ قال عيسى بن دينار‏:‏ لا يسمع من البائع ذلك؛ لأن الخيار حكم ثبت للمشتري فلا يتمكن البائع من إبطاله، قال صاحب النكت‏:‏ إذا قطعه وخاطه فقال البائع‏:‏ أعطني في الخياطة ولا ألزمك نقصان القطع حتى لا تمسكه‏.‏ ليس له ذلك، بخلاف طرح أرش العيب الحادث إذا لم يخطه؛ لأنه بالخياطة صار شريكاً فلا يستقل شريكه بإبطال شركته، وعن أبي الحسن‏:‏ أن القيام بالصبغ يوم الحكم لا يوم البيع؛ لأن الرد فسخ فالقيمة يوم الحكم، وجعل الشركة بما زاد الصبغ، وجعله في الاستحقاق إذا امتنع المستحق من دفع قيمة الصبغ والمشتري من دفع قيمة الثوب أن الشركة بقيمة الصبغ دون زيادة؛ لأن الراد بالسكون شك وأخذ قيمة العيب، والمستحق من يده مُكره فيشارك بالقيمة، وبقولنا قال ابن حنبل، وقال ‏(‏ش‏)‏ و‏(‏ح‏)‏‏:‏ حدوث العيب عنده يمنع رده بالعيب القديم؛ لأن الرد شرع لدفع الظلامة والضرر عن المشترى، والرد ضرر على البائع لا يشرع دفعه بالضرر بل يتعين أخذه الأرش في العيب القدي،م وقياساً على العيوب المبينة كالعمى ونحوه؛ لأنه لما تعارض حقان أحدهما يوجب بقاء العقد، والآخر بطلانه، وجب أن يرجع موجب البقاء؛ لأنه الأصل، والجواب عن الأول‏:‏ أن البائع مفرط في عدم اطلاعه على عيب سلعته بخلاف المشتري، فلذلك رجحنا ضرره، أو يقول‏:‏ حق الرد ثابت قبل حدوث العيب عند المشتري، وذمة البائع مشغولة ببقاء جزء من المبيع عنده، فرجع ذلك عملاً بالاستصحاب، ولأن يجبر الضررين‏:‏ ضرر البائع بالأرش، وضرر

المشتري بالرد بخلاف العكس يتضرر فيه المشتري وحده، بإلزامه ما لم يعقد عليه، وعن الثاني‏:‏ الفرق بأن ذهاب أكثر المنافع يصير المبيع معدوماً؛ لأن الأقل تبع للأكثر، والمقصود من الأعيان منافعها والمعدوم يستحيل رده، وعن الثالث‏:‏ منع التعارض؛ لأن حق المشترى ثبت قبل حدوث العيب سالماً عن المعارض ثم ينتقض ما ذكروه بما إذا تقاررا على العيب وادعى البائع أن المشتري رضي به، فإن المشتري يصدق في استحقاق الرد، وقال ابن حنبل‏:‏ لا يحب أرش العيب الحادث عند المشتري كان سبب التدليس أم لا، وكما لو غره بحرية أمه فإنه يرجع على من غره بالصداق كله‏.‏

وجوابه‏:‏ أنه يرجع على الغار إن كان غير السيد، ولو دلسها هنا غير السيد لم يرجع عليه‏.‏

تفريع‏:‏ في الجواهر‏:‏ في الكتاب‏:‏ العمى والشلل من هذا الضرب، ورآهما ابن مسلمة من الضرب الأول، وكذلك رأى قطع ذنب البغلة المركوبة والفرس المركوب، والمشهور‏:‏ عجف الدابة وهرم العبد من الضرب الثالث، ورآه ابن مسلمة من الأول، وبثمن الأمة الهزيلة من الثالث، وقيل‏:‏ من الثاني على المشهور، وكبر الصغير من الأول، وقيل‏:‏ من الثالث، والوطء في الثيب من الثاني على المشهور، وقيل‏:‏ من الأول وافتضاض البكر من الثالث وتزويج الأمة على المشهور من الثالث، وقيل‏:‏ من الثاني، ورآه ابن مسلمة من الأول على المشهور إذا ولدت جبر النقص من الولد، وقيل‏:‏ لا يجبر، ومنشأ الخلاف في هذه الفروع كلها‏:‏ النظر إلى عظم العيب، فمن عظم عنده جعله من الأول، ومن لا يرى ذلك جعله من غيره، ووافقنا ‏(‏ش‏)‏ ابن حنبل في وطئ الثيب لا يرد شيئاً، ويردد عند ابن حنبل، وقال ‏(‏ش‏)‏ و‏(‏ح‏)‏‏:‏ يمتنع ردها، ووافقنا ابن حنبل في رد الأرش في البكر، ومنع ‏(‏ش‏)‏ و‏(‏ح‏)‏، ومورد ابن مسلمة‏:‏ أن المنافع البُضع عندنا كمنافع البدن من الاستخدام وغيره، وعندهما ملحقة بالأجزاء فالوطء كقطع عضو يمنع الرد عدهما، واستدلا بأن

الوطء جناية، فإنه لا يخلو من عقوبة أو مال أو وقع في ملك الغير، ولأنه يحرمها بوطئه على أبيه وابنه، فهي جناية، ولأنه يجب به جميع البدل في النكاح من غير اعتبار مقدار المنفعة كالموضحة، والمنافع تقابل من الأجر تقديرها، ولأن الرد بالعيب فسخ للعقد من أصله فيؤدي لوقوع الوطء في ملك خالياً عن العقوبة والغرامة، والجواب عن الأول‏:‏ وإن سلمنا أنه جناية، فالجناية عندنا لا تمنع الرد، وعن الآخر‏:‏ أنه قد تقدم أن فسخ العقد من أصله مستحيل عقلاً؛ لاستحالة رفع الواقع بل المنهي وطء في ملكه، ولو هلكت كانت في ضمانه وجزاء جهالة، ولو صح ما ذكرتموه لما صحت الإقالة، ثم يتأكد قولنا بالقياس على وطء الزوج بعد الشراء وتلذذ المشتري بالنظر إلى الفرج وغيره، ونقول في الثيب‏:‏ لا ينقص عينها ولا يجب فيها أرش كما لو نظر إليها‏.‏

فرع‏:‏

في الكتاب‏:‏ إذا اشترى عبدين في صفقة بذهب فوجد أحدهما معيباً وهلك الآخر رد العيب وأخذ حصته من الثمن لاستدراك الظلامة، فإن اختلفا في قيمة الهالك، وصفاه وقومت الصفة، فإن اختلفا في الصفة صدق البائع مع يمنيه أن انتقد؛ لأنه حينئذ مدعى عليه الرد، وإلا صدق المبتاع؛ لأنه مطالب بالثمن، قال ابن يونس‏:‏ إن شاء المبتاع التمسك وأخذ أرش العيب القديم خير البائع؛ لأن قيمة العيب قد وجبت، له فليس للبائع إبطالها، والفرق بين هذا وبين ما إذا استحق مما بعد على غير الأجزاء‏:‏ أنه ليس له التمسك بالباقي؛ لأن حينئذ مجهول، وقد وجب الرد لهما، والتمسك به عن الثمن مجهول فيهما أن المستحق عليه لا يغرم شيئاً إذا رد بخلاف المشتري يغرم أرش القديم في التمسك، ويريد في وقوله في العبدين‏:‏ كان المعيب وجه الصفقة أولا؛ لأن الثمن عين، وقال محمد‏:‏ يُصدق البائع انتقد أم لا؛ لأن الثمن وجب له، فإسقاطه

غرم هذا إذا كان الثمن عيناً، فإن كان عبداً، أو عرضاً رد المعيب إن كان وجه الصفقة، وقيمة الهالك مطلقاً لا على المحاصة لانتقاض البيع، وأخذ عبده ان لم يفت، فإن فات الثمن بحوالة سوق أو بيع، والباقي منهما وجه الصفقة رجع بحصته من قيمة العبد الذي هو ثمن لا في عينه لتعيُّن القيمة كالفوت فصار كأنه اشترى بعين، وكذلك لو كان الثمن مما ينقسم فهي كالعيب، والفرق بين الثمن العين وما ينقسم وغيرهما‏:‏ أن التزام القيم ضرر في غيرهما، فإن ابتاع عبدين قيمتهما سوى المائة دينار ففي الكتاب‏:‏ يرد العيب بحصته، بخلاف أن يكون أحدهما بيعاً يريد‏:‏ وكذلك إن كان العيب الأدنى يلتزم الأعلى بحصته من الثمن‏.‏

فرع‏:‏

في الكتاب‏:‏ إذا اشترى مذبوحتين فوجد إحداهما غير ذكية، أو مائة أُردب فوجد خمسين، له رد الباقي، لتفريق الصفقة، وله أخذ الشاة بحصتها، ولو كان النقص يسيراً في الطعام أو شاة من الشياه لزمه الباقي بحصته من الثمن لبقاء المقصود، وكذلك جرار الخل، قال ابن يونس‏:‏ قال أبو محمد‏:‏ يريد إذا اشترى الشاتين على الوزن وتساويا في الثمن؛ لأن ثمن الباقي حينئذ معلوم، قال ابن الكاتب‏:‏ لا يستقيم هذا بل اشتراهما غير مسلوختين؛ لأن حكم الذكاة لا يعلم إلا قبل السلخ حتى ينظر العتق، ولو اشتراهما على الوزن فلا بد من التقويم، قال ابن يونس‏:‏ ويحتمل قيام البينة بعد السلخ على عدم الذكاة، قال بعض أصحابنا‏:‏ لو جهلت الذكية فسخ البيع لتحريم أكلهما، ولو أكل أحديهما وشهد أن أحديهما غير ذكية رجع بثلاثة أرباع الثمن الباقية، ونصف ثمن المأكولة لو نزع التداعي‏.‏

فرع‏:‏

قال ابن يونس‏:‏ قال أبو العباس الأسامي‏:‏ إذا اشترى جرار خل فوجد

بعضها خمراً فاشتغل أياماً عن الرد ثم وجدها صارت خلاً، سقطت حصتها من الثمن لعدم بدلها للمعاوضة، قال أشهب‏:‏ لو وجد من العشرة واحدة خلاً، لزمته بحصتها، وقال ابن القصار وغيره‏:‏ يفسخ البيع هاهنا؛ لأنها صفقة جمعت حلالاً وحراماً، وكالأم وابنتها في عقد، قال‏:‏ وهو القياس، ومدرك ابن القاسم‏:‏ أنهما دخلا على الصحة فهو كالاستحقاق بخلاف المقيس عليه‏.‏

فرع‏:‏

قال‏:‏ نقص الطعام عند الأصحاب ثلاثة أقسام‏:‏ ما لابد منه عادة فلا قيام به، وما لا عادة فيه وهو يسير، فللمبتاع أخذ السالم بحصته، وللبائع إلزامه ذلك لعدم اختلال المقصود من العقد، وذلك العشرة من المائة، قال أبو محمد‏:‏ والكثير المخل بالصفقة ليس للمبتاع أخذ السالم بحصته إلا برضا البائع، وللبائع إلزامه ذلك؛ لأن ضرر التفريق حق له قيل حد الكثير العشرون من المائة، وأما الكثير جداً فلا يلزم المبتاع إلا برضاه، ولا أخذ له إلا برضا البائع لضرر تفريق الصفقة‏.‏

فرع‏:‏

قال‏:‏ فلو اشترى داراً مزارعة فوجد زيادة خير بين دفع حصة الزيادة، أو يرد البيع إلا أن يسقطها البائع نفياً لضرر الشركة، قال محمد‏:‏ ولو كانت الزيادة في ثوب فهي للمبتاع، وإن كان يرده بالنقصان؛ لأن الثوب إنما يباع بعد الاختبار غالباً بخلاف الدار، فكان للبائع الزائد، وأما الصبرة‏:‏ فيرد زيادتها، ويلزمه ما بقي لعدم الشركة، وقيل‏:‏ الدار كالشقة في الزيادة والنقصان، وأما زيادة البناء والمنازل فملغاةٌ؛ لدخولها في الحدود‏.‏

في الكتاب‏:‏ إذا اشترى سلعاً بمائة، وسمى لكل ثوب ثمناً فيرد المعيب بحصته من الثمن، ولا ينظر إلى تسميتهم إن لم يكن وجه الصفقة؛ لأن العقد

متحد، فإن كانت قيمة المعيب خمسين، وقيمة كل سلعة سواه ثلاثين، لم يكن وجه الصفقة حتى تكون حصته أكثر الثمن، مثل سبعين من‏.‏

فرع‏:‏

في البيان‏:‏ إذا تعدى فخصى العبد فزاد ثمنه، قال ابن القاسم‏:‏ يقوَّم على قدر ما نقصه الخِصاء عند من لا يرغب في الخصاء، قال سحنون‏:‏ ما نقصه الخصاء أن لو كان عبداً دنياً، قال‏:‏ والقياس أن يجب عليه في قطع الانثنين دية، وفي الذكر والانثين ديتان، وقال ابن عبدوس‏:‏ إذا زاد فلا شيء على الجانب؛ لأن المقصود صون المالية، التي هي مورد العقد‏.‏

القسم الثاني‏:‏ من خيار النقيصة‏:‏

ما ثبت بمعاينة في البيع غير معتادة، وفي الجواهر‏:‏ الخيار للمغبون، وقيل‏:‏ لا خيار له إن كان من أهل الرشاد والتبصر بتلك السلعة؛ لأنه أوتي من قبل نفسه، فإن كانا أو المغبون منهما بخلاف ذلك، فالمغبون بالخيار، قال المازري‏:‏ وليس الخلاف في الغبن على الإطلاق بل يشترط أن يكون المغبون لم يستسلم لبائعه وغارماً بقيمة ما اشترى، وإنما ذلك في الذي يقع في العين غلطاً، ويعتقد أنه غير غالط، وأما العالم بالقيمة فيزيد عليها فلا مقال له؛ لأنه واهب، وإن استسلم، وقال‏:‏ أنا غير عالم بالقيمة فغره البائع فحرام اتفاقاً وله المقال؛ لأنه أكل المال بالباطل والاستسلام كالشرط بعدم الغبن، ولو زاد في القيمة لعرض فلا مقال له، والمغبون غلطاً هل يعذر كالمشترط في رضاه إلا يكون غبياً فيكون له الرد ولا يقدر اشتراطه لذلك فيلزمه، قال الطرطوشي‏:‏ ومذهب مالك له الخيار فيما خرج على المعتاد، وقال ‏(‏ش‏)‏ و‏(‏ح‏)‏‏:‏ لا خيار له لما في الصحاح‏:‏ إن حبان ابن منقذ أصابته شجة في رأسه، فكان

يخدع في البيع فشكا أهله ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم - فقال له عليه السلام‏:‏ ‏(‏إذا بعت فقل‏:‏ لا خلابة، ولك الخيار ثلاثاً‏)‏ فلو ثبت خيار الغبن لما تقدر بالثلاث، ولقوله تعالى‏:‏ ‏(‏لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة‏)‏ وهذه تجارة؛ لأن القيمة لم يتناولها العقد؛ لأنه لو وجد قيمة المعيب أضعاف ثمنه، وله الرد، ولو كان المعقود عليه القيمة لم يكن له الرد لعدم الضرر، وإذا لم تكن القيمة معقوداً عليها فيكون الخلل في غيره المعقود عليه فلا يضر، والجواب عن الأول‏:‏ أنه حجة لنا، لقوله‏:‏ ‏(‏لا خلاية‏)‏ أي‏:‏ في الشرع، فدل الحديث على نفيها وأنتم تثبتونها، وعن الثاني‏:‏ أن المفسرين قالوا‏:‏ الاستثناء منقطع، وتقديره إلا أن تكون تجارة فكلوها بالسبب الحق، وهذا ليس حقاً لقوله عليه السلام‏:‏ ‏(‏لا ضرر ولا ضرار‏)‏، وعن الثالث‏:‏ أن المعقود إنما يعتمد وصف المالية بدليل أن ما لا يتمول لا يصح بيعه، وإذا كان معتمد العقد وصف المالية كان الخلل فيها خللاً في المعقود عليه فيؤثر، ولو لم يكن العرض المالية في العقد لبطل الرضا بعيب المنقص لها‏.‏

تفريع‏:‏ في الجواهر‏:‏ حيث قلنا بالخيار، فقيل حيث يغبن بالثلث، وقيل‏:‏ ما شهدت به العادة أنه ليس من الغبن الذي يقع بين التجار، قال ابن يونس‏:‏ قال ابن وهب‏:‏ إذا شبه السلعة بغير جنسها فله الرد، قال مالك‏:‏ إذا باع حجراً بدرهم فإذا هو ياقوت لزم البيع، ولو شاء لاستتبت، وقال ابن حبيب‏:‏ وذلك إذا قال من يشتري مني الحجر؛ لأن الياقوت يسمى حجراً، ولو قال‏:‏ هذه الزجاجة وهي ياقوتة فله الرد كما لو قال‏:‏ ياقوت وهو زجاج، فإن سكت فلا مقال له، قال صاحب البيان‏:‏ إذا اشترى حجراً يظنه

ياقوتاً، أو فوجده غيره، إنما يجري الخلاف إذا لم يسم البائع أو المشتري شيئاً، أما إذا سمى فلا يلزم البيع، وأما القُرط يظهر نحاساً وهو على صفة أقراط الذهب يرد اتفاقاً؛ لأنه عين، فإن أوهم أحدهما في التسمية ولم يصرح قال ابن حبيب‏:‏ له الرد كالتصريح، وقيل‏:‏ لا رد له كعدم التصريح، وقال بعض شيوخنا‏:‏ البيع في سوق الجوهر كالتصريح بالجوهر، وله الرد، وإلا فلا‏.‏

القسم الثالث من خيار النقيصة‏:‏ خيار العهدتين‏:‏

وأصل لهذا اللفظ من العهد، وهو الإلزام، ومنه قوله تعالى‏:‏ ‏(‏ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي‏)‏ أي‏:‏ ألزمناه فنسي ‏(‏وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم‏)‏ أي‏:‏ أوفوا بما ألزمتم من طاعتي أوف بما التزمت لكم من المثوبة، والميثاق، وهو العهد المؤكد باليمين، وهو في عرف الفقهاء التزام درك المثمن أو الثمن، وفي الجواهر‏:‏ العهدتان صغرى في الزمان، كبرى في الضمان، وكبرى في الزمان، وصغرى في الضمان، فالأولى‏:‏ عهدة الثلاث في جميع الأدواء، وما يطرأ على الرقيق بعد الشراء من فوات وغيره فكأن هذه الثلاثة الأيام مضافة إلى ملك البائع، ولذلك تكون النفقة ولكسوة عليه، إلا أن الغلة ليست له، وقال بعض المتأخرين‏:‏ له؛ لأن الخراج بالضمان، الثانية‏:‏ عهدة السنة من الجنون والجذام والبرص، وخالفنا الأئمة في هاتين العهدتين لانعقاد الإجماع على أن العيب الحادث بعد العقد والقبض لا يوجب خيارا في غير صورة النزاع، فكذلك فيها، لأن الأصل‏:‏ عدم ضمان الإنسان لما يحدث في ملك غيره، قال

ابن حنبل‏:‏ ولم يصح في العهدة حديث، لنا‏:‏ ما روى في أبي داود أنه عليه السلام قال‏:‏ ‏(‏عهدة الرقيق ثلاثة أيام‏)‏ في أبي داود‏:‏ أن القول بالعهدتين عمل المدينة ينقله الخلف عن السلف قولا وفعلا، ولأن الرقيق يكتم عيبه فسيظهر بثلاثة أيام ليظهر ما كتبه بخلاف غيره، وقياسا على التصرية، ولأن هذه المدة هي مدة حمى الربع، وبهذه المعاني يظهر الفرق في قياسهم فيبطل، ورواية ابن داود تدفع قول ابن حنبل، فإنه لا ينقل إلا صحيحا أو حسنا تقوم به الحجة، وتختص عهدة السنة بأن هذه الأدواء تتقدم أسبابها، ويختص ظهورها ببعض الفصول في العادة فتكون سنة كالعنة‏.‏

تفريع‏:‏ في الجواهر‏:‏ اختلف في محلها من البلاد، فروى المصريون‏:‏ لا يقضى بها في العادة حتى يحملهم السلطان عليها، وروى المدنيون‏:‏ يقضى بها بكل بلد، وإن لم يعرفوها، كما يقضى بالرد بالعيب على من جهل حكمه، فإن ترتيب الأحكام على الأسباب لا يتوقف على علم المكلف، وفي الكتاب‏:‏ إذا توسوس رأس كل شهر فله الرد في عهدة السنة، ولو جُن في رأس شهر واحدٍ ولم يعاوده لرد إذا لم يعلم ذهابه، ولو جن عنده مدة ثم انقطع لم يجز بيعه حتى يتبين إذ لا تؤمن عودته، ولو تبرأ من الأدواء الأربعة في السنة قبل علم المبتاع بها لرده إلا ان تؤمن عودته، قال صاحب التنبيهات‏:‏ كيف يجن كل شهر ويرد وصبره إلى ثاني شهر استمر علم أنه جنون‏.‏

فرع‏:‏

قال ابن يونس‏:‏ إذا باع نصف النهار احتسب الثلاثة بعده، والعادة

تؤتنف عهدة السنة بعد الثلاث والاستبراء، قاله مالك وابن القاسم؛ لأن الفصول يختص اختيارها بذلك، وعن مالك‏:‏ يدخل الثلاث والاستبراء في السنة، والأصل‏:‏ عدم التداخل، والسنة في بيع الخيار بعد أيام الخيار لعدم انعقاد البيع قبل ذلك، قال محمد‏:‏ وليبن في ذوات الاستبراء عهدة ثلاث إلا أن تحيض في يومها حيضة بينة فتحسب فيها بقية الثلاث‏.‏

نظائر‏:‏ قال صاحب التنبيهات‏:‏ العامة اليوم عند ابن القاسم في العهدة والعقيقة وإقامة المسافر والعدة، قال العبدي‏:‏ هي خمس، وزاد‏:‏ الكراء، وفي الجواهر‏:‏ ومقتضى مذهب سحنون الحتساب من حين العقد من ليل أو نهار، وينتهي إلى مثله بعد انقضاء الثلاث أو السنة‏.‏

فرع‏:‏

قال ابن يونس‏:‏ قال ابن حبيب‏:‏ إذا تنازعا في الأدواء هل حدثت في السنة أو بعدها‏؟‏ صُدق البائع من يمينه؛ لأن الأصل‏:‏ عدم الرد، قال‏:‏ ويحتمل تصديق المبتاع مع يمينه؛ لأن الأصل بقاء حقه في العهدة، وأما الشفعة فيصدق الشفيع أنه لم ينقص ما يقطعها، وفي الخيارأن الهلاك كان بعد مدته أو قبلها، فعند ابن القاسم يصدق البائع، لأن الأصل‏:‏ عدم نقص العقد‏.‏

فرع‏:‏

قال‏:‏ جني على العبد في عهدة الثالث فمن البائع والأرش له، قاله مالك، وقيل‏:‏ ينبغي فسخ البيع؛ لأن العبد يكون موقوفاً لا يدرى متى برؤه، إلا أن يسقط السيد الجناية، فإنه لا يوقف إلا أن تكون مهلكة فلا يكون للمشتري الرضا، وإن أسقط البائع الجناية؛ لأنه حينئذ بيع مريض يخاف موته‏.‏

فرع‏:‏

قال‏:‏ ما وُهب له في الثلاث من مال فللبائع؛ لأن مدة العهدة ملحقة بملكه، ولو تلف ماله لم يرد؛ لأن المال ليس مبيعاً، ولو هلك في الثلاث انتقض البيع ورد المبتاع ماله، وليس له دفع الثمن وأخذ ماله؛ لانتقاض أصل البيع، وإذا أنمي ماله بربح أو هبة وكان المبتاع اشترط ماله فله؛ لأن ذلك من توابع المال، وإلا فللمبتاع، قاله ابن القاسم‏.‏

فرع‏:‏

قال‏:‏ قال ابن القاسم‏:‏ إذا في السنة سراساماً ما يخشى منه أحد الأدواء وشك في ذلك فلم يرد للشك، ثم استحكمت الأدواء بعد السنة بقربها فله الرد، وإلا فلا، قال صاحب البيان‏:‏ وعن ابن القاسم‏:‏ لا يرد إلا بما كان في السنة قال‏:‏ وهو الأنظر؛ لأن العيب حدث في ملك المشتري‏.‏

فرع‏:‏

قال ابن يونس‏:‏ إذا أسلم في عبد فقبضه ففيه عُهدة الثلاث؛ لأنه مشترك، وقال محمد‏:‏ لا، وإن كان بلد عهدته إلا أن يشترطها، وقال ابن القاسم‏:‏ عهدة السنة ليست في السلم عقد رفع فلا يرجع فيه بعيب بعد القبض، ولمالك في العبد المنكح به هل له عهدة أم لا‏؟‏ قولان، وقال ابن حبيب‏:‏ لا عهدة في سلف الرقيق ولا في الإقالة؛ لأنها على خلاف الأصل فتختص بالبيع المحض تقليلاً للمخالفة، قال مالك‏:‏ ولا عهدة في رد بعيب؛ لأنه نقض للبيع، ومن اشترى امرأته ففيها العهدة؛ لأنه بيع محض، فإن ظهر بها حمل لم يردها ورجع بقيمة الحمل؛ لأنها صارت بذلك الحمل أو ولد، وقال ابن أبي زمين‏:‏ لا عهدة في المشتري على الصفة، ولا في المخالع به، ولا العبد المصالح به على

دم عمد، وكله مذهب ابن القاسم، وقال أبو بكر بن عبد الرحمن‏:‏ في البيع الفاسد العهدة ولا ينفعه بترك البراءة، قال‏:‏ وهذا تناقض وينبغي أن ينفعه كما أن له العهدة كالبيع الصحيح‏.‏

نظائر‏:‏ قال ابن بشير‏:‏ العهدة في العبيد إلا في عشرين مسألة‏:‏ المسلف فيه، والمستلف في غيره، والمقرض، والغائب يباع على الصفة، والمتزوج به، والمخالع به، والمقاطع به، والمصالح به، والمقال منه، والذي يبيعه السلطان، والمبتاع للعتق، والمبيع بالبراءة من العهدة، والمبيع في البلد الذي لا تُعرف فيه العهدة، والموصى ببيعه، والموهوب للثواب، والمردود بالعيب، وإذا كاد لبيع فاسداً والأمة البينة الحمل، والتي اشتراها زوجها، والمبيع في الميراث‏.‏

قال صاحب البيان‏:‏ المصالح به على الإقرار بيع فيه العهدة، وعلى الإنكار الهبة، ويخشى في المأخوذ في دين، أو دم عمد الدين بالدين لعدم المناجزة بسبب العهدة والموصى ببيعه والموهوب للثواب والمردود بالعيب، وإذا كان البيع فينبغي ملك العبد كذلك، واختلف في المستقال منه، فإن نقد فلا عهدة اتفاقاً؛ لأنه كالمأخوذ من دين، ولا عهدة في رأس مال السلم؛ لاقتضائه المناجزة، ولا عهدة في الموهوب للثواب؛ لأنه للمكارمة كعبد النكاح، قال سحنون‏:‏ ولا عهدة في المقاطع به‏.‏

فرع‏:‏

قال اللخمي‏:‏ إذا اشترط إسقاط العهدة جاز ولا عهدة كشرط البراءة، وقيل‏:‏ يبطل الشرط؛ لأنه خلاف مقتضى العقد، قال صاحب المنتقى‏:‏ للمبتاع إسقاط النفقة عن البائع وإسقاط الضمان، فإن لم يسقط لكن فعل ما يمنع الرد، ويقتضي الرضا كالعتق، ففي كتاب محمد‏:‏ تسقُط بقية العهدة لفعل ما يدل على إسقاطها، وقال سحنون‏:‏ العهدة فائتة‏.‏

ويرجع بقيمة العيب؛ لأن الأصل إبقاؤها حتى يقع التصريح بإسقاطها، وفي عهدة السنة

ثلاثة أقوال‏:‏ ما تقدم في الثلاث، والثالث يرد العتق، وإن العتق موقوف على السنة‏.‏

فرع‏:‏

قال ابن يونس‏:‏ إذا اختلفا في إسقاط العهدة والعبد قائم، تحالفا وتفاسخا كالاختلاف في الثمن؛ لأن إسقاطها ينقصه، وثبوتها يزيده، فإن فات صدق المشتري في الوضع الذي فيه العهدة‏.‏

فرع‏:‏

قال‏:‏ إذا أعتق في عهدة الثلاث أو حنث فيه يعتق نفذ عتقه وعجل الثمن، ويسقط بقية العهدة، ولا ينفذ عتق البائع نظراً للعقد الناقل، وقال ابن القاسم‏:‏ إذا اعتق العبد أو أحبل الأمة سقطت عهدة السنة؛ لأن ذلك رضا بإسقاطها، وقال أصبغ‏:‏ له الرجوع بقيمة العيب كعيب كان عند البائع، كذلك عتقه في عهدة الثلاث لا يقطعها، وقال ابن كنانة‏:‏ إذا أعتق العبد فيجذم في السنة، فإن كانت له قيمة إن قلت رجع بما بين الصحة والداء، وإلا رجع بالثمن كله كهلاك المبيع قبل الاستيفاء، فإن مات عن مال أخذ البائع منه وورث المبتاع الباقي نظراً للعقد الناقل، وإن رجع بما بني الصحة والداء ورث المشتري الجميع، قال اللخمي‏:‏ قيل‏:‏ يرد العتق في عهدة السنة، وقول محمد‏:‏ تسقط العهدة بالحنث ليس بحسن اختياره إلا أن يحنث نفسه‏.‏

فرع‏:‏

قال ابن يونس‏:‏ يحرم النقد في عهدة الثلاث؛ لئلا يكون تارة بيعاً وتارة سلفاً دون عهدة المسنة لدور الأدواء الثلاثة ولطولها، فيكون منع التصرف ضرراً فعجل الثمن والبيع، وإذا تشاحا في النقد في الثلاث، جعل على يد أمين، وتلفه ممن يصير له، قاله ابن حبيب، وقال مالك‏:‏ لا يلزم البائع إيقافه إلا أن يريد

؛ لأنه أولى بحفظه‏.‏

فرع‏:‏

قال اللخمي‏:‏ إذا ذهب العقل بجناية في السنة قال ابن القاسم‏:‏ لا قيام؛ لأنه ليس من العيوب الثلاثة، وقال ابن وهب‏:‏ له القياس قياساً على الجنون، قال‏:‏ وأرى أن لا يرد من الجان؛ لأنه عارض ليس من الطباع المفسدة للأخلاط الردية‏.‏